آخبار عاجل

تعاملنا الإنساني مع التراث.. بقلم: خليل الذوادي

29 - 09 - 2023 10:35 82

عندما تفرض عليك الظروف في تدبير أمورك بنفسك ابتداءً من الغذاء اليومي المتمثل في وجبات الطعام إلى الاهتمام بالملابس التي تليق بالمناسبات التي تُدعى إليها، فإن ذلك يترك عبئًا إنسانيًا على من لا يملك خبرة ولم يواجه الغربة خارج الوطن. 

عندما ذهبنا للدراسة بجامعة الكويت 1968-1972م كان هذا الهاجس يخامر كل الطلبة الوافدين الذين التحقوا بالجامعة، وإذا حكومة دولة الكويت الشقيقة تفطن لذلك، فتوفير السكن الداخلي للطلبة والطالبات كان هو الأساس، فالطلبة سكنوا في الشويخ والطالبات سكنَّ في كيفان، حيث كان هذا المقر مُعدًّا لسكن الطلبة الوافدين من كل الجنسيات تقريبًا وحتى الكويتيين الذين يسكنون في مناطق بعيدة عن العاصمة، كما أن إدارة جامعة الكويت وفرت الوجبات الثلاث للطلبة أما في السكن بالشويخ أو مبنى الجامعة في الخالدية، وفي رمضان تم توفير إفطار رمضان وكذلك السحور، وتكفلت إدارة السكن أيضًا بتوفير خدمة غسيل ملابس الطلبة بحيث أشعرتنا بالفعل دولة الكويت أننا في وطننا ولم يتغير علينا شيء، وحتى المواصلات التي كانت تنقلنا مجانًا من السكن في الشويخ إلى الدراسة في الخالدية أو العديلية حيث توجد بعض الكليات. يظل الطالب الذي مرَّ بهذه الظروف يقدر كيف كانت ظروف الدراسة مواتية.. وعندما اضطرتنا الظروف للعمل في الخارج في العطلات الصيفية كان علينا تدبير أمورنا. 

اليوم مع التقدم في الخدمات والتسهيلات أصبحت المطاعم في دولنا تقدم الوجبات الجاهزة وما علينا إلا الاتصال ومن خلال خدمة التوصيل إلى المكاتب أو المنازل يتم توفير الأطعمة المطلوبة بل إن جيلنا الحالي بالغ في طلباته، فعلى الرغم من الجهود التي تبذلها ربة البيت في توفير ما لذَّ وطاب من المأكولات للغداء والعشاء، إلا أن عادة أطفالنا وتفننهم بالطلبات جعلهم يعتمدون على خدمات التوصيل اعتمادًا كليًا. 

كنا ونحن طلبة في الإعدادي والثانوي نتحين فرصة العطلة الأسبوعية أو العطلة السنوية لنزور المنامة، ونغشى المطاعم المتوفرة والتي تقدم أشهى الأطباق وبأسعار معقولة أو هي في المتناول، وكانت جلسات المطاعم تضفي إحساسًا بالاعتماد على النفس، وأحيانًا إظهار البعض للكرم الحاتمي بدعوة الزملاء لتناول الوجبات مشتركين، وكان أصحاب المطاعم يلقون من الزبائن الترحاب، وكانوا لشهرتهم محل ثقة فيما يقدم عندهم من طعام. 

إن الإحساس بتناول الطعام في مطاعم العاصمة وبعض المدن يضفي بريقًا بالمشاركة الجماعية والتعارف، وقد يتبرع البعض لدفع الحساب عن الآخرين، إيمانًا منهم بأن ذلك سيكون مردود عليه في وجبة أخرى. 

كانت عطلتنا الصيفية وخاصة للطلبة العائدين من الخارج فرصة للاجتماع في أحد المقاهي لأكل «النخي» أو «الباقلاء» وشرب الشاي الأحمر أو الشاي بالحليب وتبادل أطراف الحديث وتجارب الطلبة في الخارج، فالتعارف من شيمة طلبة البحرين الدارسين في الجامعات العربية أو الأجنبية، فالصداقات في أيام الدراسة يمتد أثرها إلى الالتحاق بالوظيفة المناسبة من مختلف التخصصات. 

نؤكد على الإشادة بتلك المقاهي والمطاعم التي شهدناها في الستينات والسبعينات وأصحابها الذين أورثوها لأبنائهم وربما أحفادهم، واليوم نشهد إن هذه المقاهي القديمة والمطاعم التي في أسواق المنامة والمحرق والرفاع وغيرها من المدن والقرى بدأت تستقطب السياح، وينظم المسؤولون عنها زيارات إلى هذه المقاهي والمطاعم وكذلك الأسواق القديمة. 

ربما نحتاج إلى تطوير أو إحياء سوق الأربعاء، وسوق الخميس، وأيضًا ما كان يسمى الحراج أو يطلق عليه تجاوزًا سوق «المقاصيص» وما هو كذلك، ولكن المواد التراثية فيه كانت بمثابة جذب للمواطنين والزائرين والسياح، فمملكة البحرين تاريخ وحضارة وجزء من موروثات ذلك بعض الأجهزة القديمة والأدوات التي كانت تستخدم لأغراض شتى في المنازل، وأصبحت اليوم عند البعض بمثابة موروث له قيمته، ونحيي ونقدر جهد من وفَّر في بيته الخاص معرضًا دائمًا لتراثنا والمواد التي كانت تستخدم في ذلك الوقت وكان يملكها أفراد أو محلات، فالموروث التراثي يذكرنا دائمًا بأن المحافظة على ما نملك من ثقافة وتراث وآثار مدعاة فخر لنا ولأجيال تأتي بعدنا إن شاء الله. 

نحن بحاجة إلى تشجيع كل من نذر نفسه لتطوير الخدمات التي تقدم للمواطنين والزائرين، وتلبية طلباتهم من الغذاء أو الأدوات التي أصبحت اليوم تدخل في ذاكرتنا للأيام الجميلة، إن رؤية الأطباق القديمة التي يحتفظ بها البعض تذكرنا بالتواصل الحميمي بين أهلنا في الأحياء والفرجان، وكيف كانت العادات في تبادل الأطباق خلال شهر رمضان المبارك، أو خلال أيام الأسبوع. 

إن الاعتماد على الذات لا ينفي أبدًا التعاون والاعتماد على الجيران والأصدقاء والمعارف، فكلنا أصحاب مصلحة واحدة وهدفنا التعاون وبذل الغالي والنفيس من أجل راحتنا وشعورنا بالذات الواحدة. 

 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved