أحد الأسماء الفنية المحفورة في تاريخ الفن والموسيقى في مصر من تلك التي لم تنل حقها من التكريم، بل أحد المبدعين الذين انتقلوا إلى جوار ربهم دون أن يشارك في توديعه سوى نفر قليل يعدون على الأصابع هو الموسيقار المبدع منير مراد، شقيق الفنانة الكبيرة ليلى مراد، وزوج الفنانة سهير البابلي، وصهر الفنان أنور وجدي، والمخرج فطين عبدالوهاب.
ولد منير مراد في 13 يناير 1920 لأبيه الملحن زكي موردخاي مراد، ونشأ في عائلة فنية من يهود مصر، وساعدته أخته على دخول الوسط الفني. وبسبب مواهبه المتعددة وقراءاته الفنية واطلاعه على موسيقى الغرب وأفلامه، ودراسته في مدارس وكليات فرنسية، سرعان ما شق طريقه بنجاح ليبرز على الساحة الفنية المصرية كممثل ومغن وملحن للعديد من الأعمال الجميلة ذات الطابع الاستعراضي الراقص.
أراد منير مراد أن يقتدي بشقيقته ويصبح مغنياً معروفاً ونجماً سينمائياً لامعاً في خمسينات القرن العشرين، لكن صوته الأخنف حال دون ذلك.
وهو لئن عمل في بداية مشواره الفني كعامل كلاكيت في ستوديوهات تصوير الأفلام ثم كمساعد مخرج في ستة أفلام (البطل /1950، ليلة الحنة/1951، قطر الندى/1951، حبيب الروح/ 1951، مسمار جحا/1952، بنت الأكابر/ 1952)، فإنه شارك كممثل في بعض الأفلام الاستعراضية في تلك الحقبة مثل فيلم «ليلة الحنة» للمخرج أنور وجدي مع شادية، و«أنا وحبيبي» (1953) لكامل التلمساني مع شادية أيضاً، و«نهارك سعيد» (1955) لفطين عبدالوهاب مع سعاد ثروت وسراج منير، و«موعد مع إبليس» (1955) لكامل التلمساني مع كاريمان ومحمود المليجي وزكي رستم، وظهر أخيراً كضيف شرف في فيلم «بنت الحنة» (1964) لحسن الصيفي مع سامية جمال وشكري سرحان وأحمد رمزي.
أدرك منير مراد صعوبة أن يصبح نجماً سينمائياً كمجايليه، فقرر أن يتجه إلى التلحين، خصوصاً وأنه كان قد تعرف في مرحلة مبكرة من حياته على محمد عبدالوهاب، فكان الأخير يصطحبه في رحلاته إلى أوروبا، ليكون مترجماً له عند الفرنسيين والإنجليز، ناهيك عن أنه كان موهوباً في حفظ ألحان عبدالوهاب وتذكيره بنغماتها إنْ نسيها، بل واقتراح إضافة نغمات جديدة.
في مطلع الخمسينات حاول مع المخرج حلمي رفلة أن يجعله يلحن إحدى أغاني شادية التي كانت آنذاك تستعد لتمثيل فيلم من إخراجه، لكن اللحن كان حزيناً وغير مناسب، ما جعل رفلة يرفض إدخاله في فيلمه. هنا أدرك منير مراد أن بداياته يجب أن تكون ألحاناً مبهجة ومرحة تساير موجة أفلام تلك الحقبة، فأعد لحناً آخر ذا طابع خفيف ومناسب لصوت شادية.
وهكذا غنت الأخيرة أغنية «واحد اتنين.. أنا وياك يا حبيب العين» التي أدتها في فيلم «ليلة الدخلة»، ونجحت نجاحاً كبيراً، بل كانت بداية لتعاون طويل بينه وبين شادية أثمر عن نحو 56 أغنية من أجمل أغانيها، ومنها: «يا دبلة الخطوبة»، «مقدرش أحب اثنين»، «سوق على مهلك سوق»، «يا سارق من عين النوم»، «يا شاغلني»، «ياحبيبي عود لي تاني»، «دور عليه تلقاه»، «فوت يا حبيبي وسلم»، «حبيبي أهو»، «وديني مطرح ما توديني»، «ألو ألو إحنا هنا»، «القلب معاك»، و«على عش الحب».
توالت أعمال منير مراد الرائعة فقدم مثلاً لعبدالحليم حافظ ألحان: «بحلمبيك» و«بأمر الحب» و«أول مرة تحب يا قلبي»، و«قاضي البلاج»، و«ضحك ولعب وجد»، و«بكره وبعده»، و«إسبقني يا قلبي»، و«حاجة غريبة»، وقدم لمحرم فؤاد اثنتين من أجمل أغانيه وهما: «من كم ليلة وكم يوم» و«شفت بعيني».
في يوم 17 أكتوبر 1981، توفي منير مراد على إثر إصابته بنوبة قلبية، ولسوء حظه جاءت وفاته في وقت كانت فيه مصر في حداد وظروف أمنية مشددة على إثر اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في حادثة المنصة المعروفة يوم 6 أكتوبر من ذلك العام، ولهذا لم تقم له الجنازة التي يستحقها، بل حالت الأوضاع والقيود دون أن يشارك في وداعه سوى زكي وأشرف، ابنا شقيقته ليلى مراد، بل أن الصحافة لم تشر إلى خبر رحيله إلا بعد يومين من وفاته وفي الصفحات الداخلية.