مر أكثر من شهر على الاحداث الرهيبة في غزة، ومن 8 تشرين الاول ترتكب الآلة العسكرية الصهيونية المجازر بحق المدنيين العزل من الفلسطينيين، بينما لا تحرك الدول والمنظمات الاممية ساكنا في الواقع رغم كثرة التصريحات وادعاءات العمل لإنهاء الكارثة، وهذا الوضع يدفع الى تحليل أعمق لما يجري، فهذا العنف الجنوني لا يمكن أن يكون موجها الى السكان المدنيين في غزة فقط بل هو جزء من مخطط يستهدف العالم الاسلامي كله.
يواجه الغرب مشكلة معقدة مع المسلمين اذ تتزايد اعدادهم بسرعة بسبب الهجرة او الانجاب بكثرة في مقابل تراجع الولادات بين السكان من الديانات الأخرى وتشير كثير من الدراسات الى توقعات بتحول المسلمين الى أغلبية في الغرب وبالتالي سيادة الثقافة الاسلامية ولذلك فإن اختلاق حروب مع المجتمعات الاسلامية سيؤدي الى تراجع الهجرة الاسلامية الى الغرب وكذلك تعقيد حياة المسلمين في الغرب بما يؤدي الى هجرات معاكسة بسبب ملاحقات أمنية بذريعة الارهاب او مضايقات ثقافية واقتصادية وهو ما نشهد حالات منه اليوم.
تبدي الشعوب الاسلامية تعاطفا كبيرا مع الفلسطينيين وتعلن استعدادها دائما للقتال الى جانبهم وللدفاع عن مسرى الرسول (ص) لكن في المقابل تعلن حكومات الدول الاسلامية بمختلف الطرق عن عدم إمتلاكها أدوات المواجهة المسلحة وعدم استعدادها لخوض الحرب، ومبدئيا أنا ضد الحرب إلا إذا فرضت علينا او للدفاع عن الدين والنفس، عندها لا يمكن التردد في المواجهة مع توفر الادوات.
إن التناقض بين رغبات الشعوب الاسلامية وتوجهات حكوماتها هو الهدف الكبير الذي تسعى له الدول الاستعمارية التي تتنظر على أحر من الجمر المواجهة بين الشعوب والحكومات أو إندفاع المتحمسين من المواطنين او التنظيمات لخوض العمل المسلح ضد الكيان الصهيوني أو المصالح الغربية وإحراج الحكومات الثورية المعارضة للغرب والصهيونية لتدخل الحرب فتتحول الى لقمة سائغة للآلة العسكرية الضخمة التي لن تستهدف المقاتلين فقط بل سوف تتعمد إستهداف المدنيين وخاصة الاطفال والنساء وتدمير البنى التحتية والمؤسسات الخدمية كما يحدث اليوم في غزة.
إن منهج توريط الدول والشعوب بحروب غير مخطط لها ودون إستعدادات هو منهج غربي معروف وعبره تمكنت دول غربية من إحتلال واستعمار مناطق واسعة حول العالم لقرون ثم تختلق كيانات لدول صغيرة تمنحها أدوار لا تستحقها عبر استغلال الاموال والمخابرات كما يحدث اليوم مع القضية الفلسطينية حيث يراد لدولة معينة لا تظهر حتى كنقطة في خارطة العالم الاسلامي أن تتحكم بمصير الشعب الفلسطيني وبقضايا أخرى في المنطقة لأنها تسهل تحقيق أهداف القوى الغربية بذريعة الدفاع عن الفلسطينيين وتبني منهج إسلامي ما، ولذلك يجب الحذر من السقوط في هذا الفخ ولكن لا يعني هذا التخاذل عن نصرة الشعب الفلسطيني لأن هناك وسائل كثيرة غير الحرب المباشرة يمكن أن تحقق نتائج سريعة وبكلفة أقل، وعلى حكومات الدول الاسلامية الاستفادة من مراكز الابحاث الكثيرة في العالم الاسلامي للتعرف على نقاط ضعف العدو والعمل عليها للضغط في سبيل إيقاف الاعمال العدوانية في فلسطين.
إذا كانت الحكومات الاسلامية غير مستعدة للحرب فإن لديها وسائل أخرى كثيرة للمواجهة مثل التهديد بالانسحاب من الامم المتحدة ومؤسساتها بعدما عجزت عن تنفيذ القرارات الاممية والقانون الدولي لحماية الشعب الفلسطيني واعتقد ان قرارا كهذا سيهز الثقة بهذه المؤسسات ويؤدي الى تهديد المعادلات الدولية القائمة، وكذلك قطع العلاقات بالدول الداعمة للصهاينة واستخدام امدادات النفط والغاز في المواجهة وتهديد الدول الداعمة للارهاب الصهيوني بتقليص حصصها او حرمانها من مصادر الطاقة.
قرار الحرب ليس سهلا وها نحن نلاحظ الحرب الاوكرانية التي طالت وبلا نتيجة في الافق وليس من مصلحة العالم انفجار حرب جديدة رغم ان هناك من يسعى لتفجير هذه الحرب للهرب من الحرب الاوكرانية، وإذا كنا نرفض الحرب فإن الواجب الاخلاقي والانساني والشرعي يلزم كل المسلمين، شعوبا وحكومات، بالعمل على نصرة أهل غزة ودعمهم والعمل بسرعة على إيقاف الحرب العدوانية ضدهم.