مع بروز الأزمات تطل التحديات والتهديدات برأسها، حيث يستغل تجار الأزمات الأوضاع الساخنة للتأليب ضد الدول ونشر الشائعات والاستقطاب نحو أيديولوجياتهم وتنظيماتهم، وخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت إحدى الساحات المفتوحة في معركة الفكر والوعي، مع سعي هذه التيارات لاختراق المجتمعات عبر محتوياتهم التحريضية والتشويهية، والوصول إلى أوسع شريحة، والتلاعب بالعقول والعواطف.
لقد سبق وأن شهدت ساحات التواصل الاجتماعي معارك وعي ضارية، وبالأخص إبان ما سمي بالربيع العربي، عندما قامت التيارات المؤدلجة بالتحريض على الثورات لنشر الفوضى في المنطقة، وعلى الرغم من ضراوة تلك الحملات وشراستها واستغلالها للأحداث الساخنة آنذاك فإنها باءت بالفشل بحمد الله تعالى، ولم تجن إلا العلقم، لأنها تكسرت على صخور الوعي الوطني.
وارتدت على أصحابها خيبة وحسرة، بعد أن تصدى لها المغردون الوطنيون بكل قوة، وانبروا للرد عليها وتفنيدها وبيان خطرها وضررها، فكانوا كالطود الشامخ في مواجهتها، ما كان له أبلغ الأثر في تعزيز الوعي الوطني، وترسيخ التلاحم المجتمعي، وتفنيد الشبهات والشائعات والشعارات الزائفة بالحجة والمنطق والكلمة الإيجابية.
إن هذا الواقع الجميل من تكاتف المغردين الوطنيين ونشاطهم المميز النوعي الذي كان بحجم التحدي هو واقع مشرق مطلوب في مختلف الأوقات، وخاصة عند تكرر الحملات التشويهية والتحريضية التي تطال الدولة، لتبديد ظلمات هذه الحملات وكشف زيفها.
وذلك بهدف تكريس الوعي الوطني داخلياً، وتعزيز المحافظة على سمعة الدولة خارجياً، فينقلب السحر على الساحر، وبدل أن تصبح تلك الحملات مصدر تشويه إذا بها تتهاوى كبيت العنكبوت، وتصبح الحملات الوطنية نافذة مشرقة لكل مُطلٍّ منصف.
ونحن نرى اليوم بحمد الله تعالى جهوداً مميزة لكثير من المغردين الذين ينافحون عن الوطن، ويردون سهام الطعن عنه في مواقع التواصل الاجتماعي، وجهودهم مشكورة، إلا أن الأمر يتطلب تكاتفاً أكبر ومشاركة أكثر زخماً وكثافة للتصدي لأي مد تشويهي يسعى لإغراق العقول، ويتلاعب بالمشاعر، مستغلاً تأثر الناس بما يجري هنا وهناك.
وتتأكد أهمية ذلك في الأحداث الأخيرة التي تجري في غزة، حيث نرى هجمات شرسة على الدول من قبل المؤدلجين والمندفعين، مع تنوع هذه الخطابات السلبية، بما في ذلك الخطابات التحريضية والتكفيرية والتشويهية، التي تستخدم تارة الخطاب الديني أو السياسي أو العاطفي كقوالب هجومية على الدول والمجتمعات، وهم في ذلك كله يحاولون استغلال تأثر الناس بما يجري لأهل غزة من أحداث مروعة تفوق الوصف.
إن ما يجري في غزة أحداث مؤلمة للغاية، لكن توظيفها للترويج للتنظيمات والأحزاب وتشويه سمعة الدول وتحريض المجتمعات واستغلال وسائل التواصل الاجتماعي لذلك أمر غير مقبول، وهي محاولة لاختراق المجتمعات العربية والإسلامية باستغلال آلامها وأوجاعها.
وعلى المجتمعات أن تكون واعية بذلك، وهؤلاء البهلوانيون الذين يزعمون أنهم يملكون الحلول السحرية، وأنهم لو كانوا يملكون من الأمر لفعلوا وفعلوا إنما يتكلمون عن جهل وتهور لا حدود له، وهم في الحقيقة لا يرون أبعد من أرنبة أنوفهم، ولا يعرفون عن الواقع شيئاً، بل يعيشون في عوالمهم الخيالية، ويتدلون إليها بحبال تحزبهم وأيديولوجياتهم، كعادتهم في كل ظرف وحادثة.
وقد رأينا كيف وصل بعضهم إلى الحكم، فكان فساده وضرره مستطيراً، حتى أصبح نموذجاً يضرب به المثل للفشل السياسي لمثل هذه التنظيمات والأحزاب. إن ذلك يحتم على المغردين أن يكثفوا جهودهم، ويعززوا نشاطهم، ليكون بحجم مثل هذه التحديات والتهديدات الفكرية التي تستهدف المجتمعات صغاراً وكباراً.
فيتصدى أصحاب الخطاب الشرعي للشبهات والمفاهيم الدينية المغلوطة التي تروجها تلك التنظيمات والمغترون بها، ويعالجونها بالعلم والحجة، ويبينون مكانة ولي الأمر، وضوابط التعامل مع الفتن، وضوابط الجهاد والولاء والبراء، وغيرها من المسائل التي تمس الحاجة إليها، التي يخوض فيها المتعالمون بالجهل والهوى.
وهكذا أيضاً يتصدى المغردون لكل مظاهر التشويه التي تطال دولتهم، ويبرزون جهود وطنهم وقيمه الواضحة الناصعة، ويفندون الشائعات المغرضة والأقاويل المحرضة التي تلبس أثواباً وأشكالاً متنوعة، فلا يبقى للباطل مكان، ولا يرتفع له صوت. إن المغردين الوطنيين صمام أمان لهذا الوطن، فهم يكرسون الوعي ويبثون الخطاب الإيجابي، ويقارعون الخطابات السلبية، لتبقى راية وطنهم ترفرف في العلياء رغم أنوف الحاقدين.