الكراهية، باعتبارها سلوك سياسي سلبي، وأحد أسباب الصراعات العسكرية الممتدة، تعيش أزهى مراحلها، بكل أسف، خلال هذه الأيام، رغم كل الجهود المبذولة للتعايش السلمي والتسامح والعيش المشترك ونبذ العنصرية، وذلك في صورتين اثنتين، هما:
الصورة الأولى: ممارسة الحكومة الإسرائيلية على مدى أكثر من شهر، وبشكل مستمر، سياسة «العقوبة الجماعية» ضد شعب قطاع غزة الأعزل، حصيلة تلك الحرب قتل آلاف من الأطفال والمدنيين، وتدمير البنية التحتية للقطاع، على الرغم من أن هذه الشريحة والفئة من الناس محميون وفق القانون الدولي الإنساني أثناء الصراعات المسلحة.
أما اللافت والمستغرب، أنه يحدث كل ذلك على شعب غزة، ليس إلا انتقاماً من سلوك قامت به مجموعة من الأفراد، وليس الشعب بكامله. بل إن الكارثة الأكبر في هذه «الإبادة»، أنه لم يتضح حتى الآن أي أفق سياسي حول نهاية هذه الحرب المسعورة، رغم كل الجهود التي تبذلها العديد من دول العالم.
ما يحدث في غزة يدين الضمير الإنساني المجتمعي، قبل قانونه الدولي، أو الأخلاقيات السياسية. والصور القادمة من هناك تقول كل شيء عن حجم الإجرام الذي يمارس على شعب ذنبه الوحيد أنه يعيش حيث توجد حركة «حماس»، التي تدرك جيداً تداعيات مغامراتها السياسية.
أما الصورة الثانية لزهو الكراهية: تُفصح عنها دعوة وزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو، إلى إلقاء قنبلة نووية على مواطني قطاع غزة، أو حسب ما يقول الوزير الإسرائيلي نفسه ذو الخلفية السياسية المتطرفة «لا يوجد غير مقاتلين في غزة»، وكأن من يُقتلون ليسوا بأطفال ولا نساء.
والوزير إلياهو يدعو إلى استخدام القنبلة النووية، باعتبارها أحد الاحتمالات الممكنة في التعامل مع سكان غزة، كيلا يتكرر سلوك «حماس» مرة أخرى، بالمختصر، يعني كلامه دعوة سياسية للإبادة الجماعية لشعب غزة بكامله، هكذا يمكن فهم هذه الدعوة، وكأن الوزير الإسرائيلي لم يتعلم من التاريخ أن العنف لا يولد غير العنف، هذا ما يؤكده التاريخ السياسي للعالم، وهم عانوا من هذا العنف في تاريخهم.
دولة الإمارات العربية المتحدة، أدانت تلك الدعوة، إدراكاً منها لما تحمله هذه «الدعوة المشؤومة» من مضامين سياسية كثيرة، وفي لحظة تاريخية صعبة، يعيشها المجتمع الدولي، في ناحية تصاعد الصراعات في العالم، من تلك المضامين أن الدعوة: بجانب كونها دعوة صريحة لاستسهال قتل الإنسان.
فإنها تُشرع الباب كاملاً أمام تنامي الصراعات بين الشعوب، وتفاقم من المآسي الإنسانية، في الوقت الذي تسعى فيه الدبلوماسية الإماراتية إلى التقليل من استخدام خطابات الكراهية والتطرف، وذلك انطلاقاً من رسالتها الإنسانية العالمية.
نتنياهو حاول استدراك التداعيات المحتملة لتصريحات أحد وزراء حكومته (عميحاي إلياهو)، التي تعيش حالة من عدم «التجانس» السياسي حول كيفية إدارة حرب التصفية لشعب أعزل، وحاول امتصاص الغضب الدولي، ما قد يؤدي إلى حدوث المزيد من الانشقاقات في حكومته، وربما المزيد من الضغوط من الرأي العام العالمي، ما قد يؤدي إلى إحراج الحكومات الغربية الداعمة للحرب ضد شعب غزة، لكن تدخل بنيامين نتنياهو في معالجة الموقف، لم يرقَ إلى حجم خطورة دعوة الوزير المتطرفة.
الدعوة بإلقاء قنبلة نووية على غزة، لا يمكن تصنيفها بأنها: عفوية، ليس فقط لأنها أتت من شخصية رسمية في الحكومة، وإنما ستترسخ في أذهان المسؤولين الإسرائيليين في المستقبل، وقد يرددها آخر غيره!!