الله يا غزة الصمود، ورمز التضحية والفداء، كان مدرسونا الفلسطينيون في مختلف مراحلنا الدراسية جاءوا الى البحرين ليكونوا مع كوكبة من المدرسين المصريين والعراقيين واللبنانيين والسوريين لينقلوا لنا العلم مع زملائهم البحرينيين تجمعهم رسالة واحدة هي العلم والمعرفة ومسؤولية تربية الأجيال والحرص على التفوق وتهيئة الظروف العلمية للالتحاق بالجامعات المتعددة في وطننا العربي أو الخارج، جاء الينا الأستاذ شحاده ليدرس لنا في مدرسة البديع الابتدائية للبنين مبادئ الرياضيات يومها كنا نطلق عليها الحساب، وكان يرحمه الله صارمًا في تدريسه ويومها كان حريصًا على معرفتنا لجدول الضرب فهو المفتاح لمادة الرياضيات، وعندما انهينا مرحلة الابتدائية تذكرنا مواقف الاستاذ الفلسطيني شحاده (بو مأمون) وحرصه على تفوق أبنائه، وكانت مرحلة شعرنا فيها بأهمية الرياضيات فهو كان الحريص على تطبيق هذه الرياضيات في تعاملنا في البيع والشراء، وكان الحريص على أن نكون من طلابه الذين يشيد بعطائهم وفهمهم لمادة ليست محل للإجتهاد، فالأرقام لا تكذب، ولما انتقلنا الى المدرسة الإعدادية والغربية تحديدًا بالمنامة وجدنا أمامنا أستاذ شحاده يتصدى لتدريسنا الرياضيات في الإعدادي، وإذا شخصيته تتغير وشدته كانت مقبولة لكنه ظل على شخصيته الصارمة ولا تعرف تضييع الوقت، فقد كانت شخصيته يرحمه الله منسجمة مع صعوبة المادة التي تخصص في تدريسها، وإن كانت شخصيته قد تغيرت وأصبح أقل حدة من أيام كان مدرساً لصفوف الابتدائي ولعله أدرك أنه بدأ يتعامل مع تلاميذ ناضجين مدركين لأهمية المادة وحرصهم على التفوق والنجاح طبعاً بفضل تدريسه لنا وحرصه على أن نواجه المستقبل ونحن متسلحون بالعلم والمعرفة... أما أخوه الأستاذ نمر فكان على النقيض من شحاده ولعل أسباب ذلك تعود الى أنه تصدى لتدريس علوم أخرى ومواد فيها أخذ وعطاء.
وكان قدرنا أن نقترب أكثر من إخواننا الفلسطينيين الذين أتوا إلى البحرين لطلب الرزق في التدريس والأعمال الحكومية الأخرى والتجارة والقطاع الخاص وكانت الإشادة بهم كبيرة واتسموا بالجدية والمثابرة والحرص على النجاح، بالإضافة إلى الحرص على الإندماج في مجتمع البحرين وممارسة الكثير من الأعمال التجارية والاجتماعية والثقافية والرياضية، وكان مجتمع البحرين كما هو المعتاد يحتضن الأشقاء العرب من مختلف أقطارنا العربية ويرحب بالأصدقاء من البلدان الأخرى، وهذا طبعًا قدر البلاد التي تجاور البحر، وتعتاد على الزوار، وخصوصًا إخواننا العرب الذين نتشارك معهم في العادات والتقاليد ونتقاسم وإياهم أهداف النمو والتطور والبناء، كان انسجام الأخوة الفلسطينيين في البحرين ومجتمع البحرين سهلاً وميسوراً فقد شعر كل بحريني بقربه من الأشقاء العرب من مختلف الأقطار وانسجم أبناء العروبة مع أشقائهم البحرينيين وشعر الجميع أنهم مرتبطون مع بعضهم تجمعهم المشاعر المتبادلة والمصالح المتعددة.. حتى إذا ما انتقلت للدراسة في جامعة الكويت من العام 1968 – 1972 للدراسة الجامعية هناك وجدنا الأعداد الكبيرة من الفلسطينيين المقيمين في دولة الكويت ويمارسون مختلف الوظائف في القطاعين الخاص والعام وطبعًا التدريس وكانت فرصة أخرى أن التقي بالأخوة الفلسطينيين في مختلف سنوات الدراسة الجامعية، فقد ضمني سكني رقم 6 في ثانوية الشويخ وفي رواق واحد وكان زميلي في كلية الأداب قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية الطالب الفلسطيني فيصل صفا وهو كان من المتفوقين الذين ينالون سنويًا تقدير ممتاز وكان يشاركنا في الجناح الطالب الفلسطيني حسين اللافي الذي كان يدرس العلوم وفي وقت الراحة يقوم بتحضير الزيت والزعتر والخبز الفلسطيني فقد كان بارعًا في تحضير ذلك وكنا نجتمع في غرفته نتبادل أطراف الأحاديث ويذكرنا بأهمية القضية الفلسطينية ويتوق الى اليوم الذي يعود فيه بعد الدراسة ليسهم في خدمة وطنه فلسطين.
وأتذكر أنني كتبت مقالاً عن فلسطين في مجلة طلابية تصدر بدولة الكويت واستحسن الأخوة الفلسطينيون ما جاء في المقال وحرصوا على إيصاله لأهلهم ليقولوا لهم هذا شعور أشقائنا من البحرين تجاه فلسطين وشعبها وكنت سعيدًا بأن المقال وصل لأهلنا في فلسطين العزيزة
ستظل فلسطين قضية العرب الأولى والحرص على أن يكون للفلسطينيين مدنهم وقراهم التي عاش فيها أجدادهم وآباؤهم رغم أن الكثير من الدول العربية احتضنت الفلسطينيين ووفرت إليهم المعيشة اللائقة بهم واعتبروهم من أبناء البلاد لحين عودتهم الى أوطانهم وممارسة حياتهم الطبيعية في وطن آمن ومستقر..
ستظل فلسطين هذا الوطن الجريح اليوم قادر بمساعدة أشقائه الحقيقين أن يعيش في أمن وسلام وذلك بتكاتفنا وتضامننا، ولعل حل الدولتين والقرار الأممي بعودة الفلسطينيين إلى وطنهم في العام 1967م طبقًا لمبادرة السلام العربية التي أطلقها المغفور له بإذن الله تعالى الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية الراحل طيب الله ثراه هدفها انشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًا على حدود 1967 وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان السورية المحتلة وعاصمة فلسطين القدس الشرقية وهذا ما جاء في الإعلان عن مبادرة السلام العربية في القمة العربية ببيروت عام 2002م.
عشنا مع الأشقاء الفلسطينيين وهم يحملون أمل العودة إلى وطنهم وممارسة دورهم الفاعل، فهم جزء من أمتنا آمالهم آمالنا وطموحاتهم طموحاتنا واستقرارهم من استقرارنا وسلامهم من سلامنا... رحم الله من انتقل إلى الباري عز وجل، وللشهداء الأبرار جنة النعيم، وليحمي الله أهلنا في غزة وفي كل أراضي فلسطين العزيزة.