عانت الأمم الأفريقية من شظف العيش وتحدياته على مر الأزمنة ثم تولد لديها معين لا ينضب من الأمثال والحكم.
ولأننا مبهورون بالثقافة الغربية ومللنا سماع مواعظ العرب، ننسى ما قاله الأفارقة من حكم، رغم أن الحكمة ضالة المؤمن.
المثل السنغالي يقول: «من يُثِر عش الدبابير، عليه أن يجيد الركض». ولهذا نجد من يتدخل في ما لا يعنيه يصله ما لا يطيقه. وكان حرياً به ألا يتعرض للآخرين إن لم يكن أهلاً للمواجهة. «القرد الذي لا ينظر إلى مؤخرته، يسخر من القردة الآخرين» هو مثل إثيوبي لكنه يعكس حال كثيرين مما ينشغل بقصور الآخرين عن الانشغال بتحسين نقاط ضعفه.
الكونغوليون يقولون للمتهكمين «اعبر النهر قبل أن تبدأ في التهكم على التمساح». ويقول سكان بوركينا فاسو، إن «السمك يثق بالماء، لكنه هو ذاته الماء الذي سيطبخ فيه». وهي كناية على مفارقات الحياة. فمن تجده في صفك ستفاجأ بأنه صار يقف ضدك بكل صفاقة. وقالها المتنبي في رائعته:
إِذا أَنتَ أَكرَمتَ الكَريمَ مَلَكتَهُ
وَإِن أَنتَ أَكرَمتَ اللَئيمَ تَمَرَّدا
«إذا تبعك النحل، فهذا يعني أنك أكلت عسلاً» (مثل غابوني). ونحن نقول «لا دخان من غير نار». فبعض المصائب تكون مما اقترفته أيدينا. ولذلك قال تعالى في محكم كتابه «وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ».
«العامل السيئ يلوم أدواته». هكذا يقول مثل السينغاليين. ونشاهد ذلك في حياتنا وبيئات العمل عندما يعلق المتقاعس تقصيره على شماعة الآخرين، ليرفع عن نفسه ملامة التقصير.
أما الملاوي فيقول «إذا كنت تريد أن تذهب بسرعة، اذهب بمفردك. إذا كنت تريد الذهاب بعيداً، اذهب مع جماعة». عندما تأملت هذا المثل وجدته يعكس فكرة الحاجة إلى روح الجماعة في الأعمال بعيدة المدى أو عميقة التأثير كالرؤية أو الأعمال الكبرى التي تتطلب صبراً وجهداً كبيرين. كما أن شبكة من الأمان تتشكل عندما يحيط المرء نفسه بمجموعة من الأكفاء.
التعامل مع الأخطاء معضلة تتفاوت في ثقافات عدة. في جنوب أفريقيا يقولون «يتم تصحيح نصف الخطأ عند الاعتراف به». ولذلك تؤكد أدبيات اتخاذ القرار بأن أول خطوة نحو الحل هو الاعتراف بوجود مشكلة. فإذا كان متخذ القرار لا يرى أن هناك مشكلة أصلاً فسوف تبوء كل محاولات إقناعه بالفشل.
إن «أفضل طريقة لأكل فيل في طريقك هي تقطيعه إلى قطع صغيرة» (مثل كيني). وقد بسط الكينيون بهذا المثل فكرة الإنجازات الكبرى التي لا تحدث إلا بخطوات صغرى متتابعة. فمن بنى الأهرام، قضى سنوات عدة في نقل ملايين الأطنان من الحجارة المنحوتة باحترافية غير مسبوقة ليشكل أحد أكبر وأجمل العجائب السبع. فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.
«الأسد الذي يزأر لا يقتل فريسته». لا أعلم من أي بلد جاءنا هذا المثل الأفريقي، لكننا نراه على أرض الواقع. فمن يهدد كثيراً قد يخفي خلف ذلك حقيقة ضعفه. ولو وقعت تلك المواجهة فهناك من سيدفع الثمن غالياً. وهذه مشكلة الصراعات. «فعندما يتشاجر اثنان من الفيلة، فإن العشب هو الذي يتأذى» كما يقول المثل في القارة السمراء. باختصار لا تمر مشاكلنا مرور الكرام. هناك من سيتألم.
وأتساءل بماذا سيشعر الذي أطلق المثل الأنغولي وهو يشاهد «الذباب الإلكتروني» في وسائل التواصل الاجتماعي حينما قال «حتى الأسد يحمي نفسه من الذباب»! فأكبر المؤسسات الخاصة والعامة التي كانت تتندر من «حفلة الشائعات الإلكترونية» وتتجاهلها، صارت تضع ناطقاً رسمياً أو تسارع في نفي أو تأكيد أي خبر يطلقه هؤلاء أو الذباب الإلكتروني في وسائل التواصل.
ويرسل لنا الأفارقة مثلاً عميقاً، يجسد معاناة الأب الصامتة في رعاية أبنائه. فيقول إن «أباً واحداً يمكنه إطعام سبعة أطفال، ولكن لا يمكن لسبعة أطفال إطعام أب واحد».