تعصف الفتن والأزمات بالعقول، وتشتد على النفوس، وخاصة إذا كثرت الأقاويل والآراء التي تخوض في هذه الفتن، بعلم أو بجهل، بانضباط أو بانفلات، من مختصين وغير مختصين.
وبالأخص في واقعنا المعاصر، الذي أصبحت فيه مواقع التواصل الاجتماعي ساحة مفتوحة هادرة لا تهدأ ولا تفتر، وتحتوي بشكل متجدد على آلاف المواد الموجهة، سواء كانت مكتوبة أو مسموعة أو مرئية، والتي تنعكس بالسلب أو الإيجاب على وعي الإنسان، وطريقة تعامله مع الأزمات التي تعترض طريقه، سواء كانت أزمات خاصة أو عامة.
ومن أهم الوصايا النبوية في الأزمات اللجوء إلى الله تعالى، والتوجه إليه، فيكون القلب عامراً بالإيمان، معتمداً على الرحمن، متضرعاً إليه بالذكر والدعاء، منيباً إليه بصدق ورجاء، فيطمئن المؤمن، وتطيب نفسه، ويبقى في ثبات ويقين، فلا تخطفه تلك الفتن، فتميل به ذات اليمين وذات الشمال.
فيكون كالريشة في مهب الريح، أو كالخشبة التي تتقاذفها الأمواج، بل هو على النقيض من ذلك، راسخ كالجبل الأشم، متمسك بإيمانه، ثابت على قيمه ومبادئه، وهكذا كان منهج النبي، صلى الله عليه وسلم، في الأزمات، لجوء وتضرع إلى الله تعالى، فقد كان يقول عند الكرب:
«لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات، ورب الأرض، ورب العرش الكريم»، وكان يعلم أصحابه أن يقولوا: «اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد»؛ أي أسألك الدوام على الاستقامة، وحسن التصرف في الأمور.
ومن الوصايا القرآنية والنبوية فيما يتعلق بالأزمات العامة إرجاع الأمور الكبيرة إلى ولاة الأمر، الذين هم أدرى بخفاياها، وعدم الافتيات عليهم فيها؛ لأن ذلك يفتح باب الفوضى.
فيتكلم كلٌّ وفق رأيه المنفرد ونظرته القاصرة، وتكثر الاختلافات بلا فائدة؛ لأن الخائض في هذه الأمور غير مطلع على دقائقها وخفاياها، وما ينبغي ويمكن تجاهها، مما يجلب المصالح، ويدفع المفاسد؛ ولذلك قال الله تعالى: {وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}.
وأكد النبي، صلى الله عليه وسلم، في أحاديث كثيرة هذا الأصل العظيم، لينتظم أمور المجتمع، وتتوحد الرؤية تحت راية ولي الأمر، وخاصة في الأزمات والشدائد العامة، وقد التزم الصحابة، رضي الله عنهم، بهذا المنهج في مختلف المواقف.
كما حصل في صلح الحديبية، على الرغم مما أصاب بعض الصحابة، رضي الله عنهم، من الهم والكرب بسبب بعض بنود الصلح، إلا أنهم استجابوا جميعاً لذلك، حتى الذين جاءوا من مكة بعد عقد الصلح مسلمين، فردهم النبي، صلى الله عليه وسلم، وقال لأبي جندل: «يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك فرجاً ومخرجاً»، فاستجابوا لذلك بالرغم مما تعرضوا له من شدة الكرب والبلاء، حتى فرج الله عنهم.
ومن الوصايا النبوية في الأزمات المحافظة على اللسان، وعدم نقل الشائعات أو الخوض فيها، وإحسان المسلمين الظن ببعضهم البعض، كما حصل في حادثة الإفك، قال تعالى:
{لولا إذْ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين}، وجاءت الوصايا النبوية في الحذر من نقل الشائعات أو تصديقها أو نقل الأخبار والمعلومات من دون تثبت ومن غير مصادرها الموثوقة.
ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «بئس مطية الرجل زعموا»، وقال صلى الله عليه وسلم:
«إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم»، ومن أهم ما ينبغي أن يحفظ الإنسان لسانه عن الإفتاء في دين الله بغير علم، فهو سبب للآثام، كما جاء في الحديث: «من أُفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه».
ومن الوصايا النبوية في الأزمات الصبر، والاستبشار والتفاؤل وعدم القنوط واليأس، وحسن الظن بالله تعالى، فما بعد الكرب إلا الفرج، وما بعد العسر إلا اليسر.
إن المنهج النبوي في الأزمات منهج إيماني تربوي، يحقق الخير والسعادة للإنسان في عاجله وآجله، ويجعله عضواً إيجابياً حكيماً ملهماً في أسرته ومجتمعه ووطنه وأمته.