ضمير الأمة لا يزال يقظًا، والبذل والعطاء في دنيانا لم يعدم الإنسان في ذاتنا، فمهما تباعدت بلداننا، وشغلتنا هموم الدنيا وتبعاتها؛ فإن الدم العربي واحد، وآمالنا تتحد رغم قساوة الزمان والشعور الإنساني والإيمان بالخالق جلّ وعلا، والقضاء والقدر فطرنا عليها وأصبحنا بفضله سبحانه وتعالى نتجاوز محن الزمان وقسوته شريطة الإيمان بالله الواحد الأحد والصبر في البلوى والتوكل على الخالق جلت قدرته والعمل الدؤوب لخير أوطاننا ومواطنينا.
كثيرون هم أمناء الأمة من قادة وحكام ومسؤولين في مختلف التخصصات والواجبات المدنيين والعسكريين وأصحاب الفكر والإبداع والفنانين والتربويّين وكل من أحس أن الوطن العربي واحد، وأن الدم العربي كل لا يتجزأ.. فأحداث غزة وما تعرض له الغزاويون والأشقاء الفلسطينيون خلقت في كل بيت عربي من المحيط إلى الخليج العربي شعورًا بالمسؤولية الواجبة والتبعات الملقاة على عاتقنا في أن نكون معهم قلبًا وقالبًا وأن نتنادى لتقديم كل عون ممكن من أجل أشقاء لا نرضى الضيم لهم، لأنهم يستحقون كل العون والمساعدة بعد أن تقطعت بهم السبل واستشهد من استشهد مثواهم الجنة ورضوان النعيم ومنهم من جرح وأصيب ومنع عنه العلاج عنوة ومع سبق الإصرار والترصد من عدو لا يرحم، فكانت الأيدي الخيرة تمتد إلى هؤلاء رغم صعوبة الوصول إلى مبتغاهم لكنه الواجب الإنساني والأخوي والوطني الذي يحتم علينا تقديم كل ما نستطيع للوصول إليهم وتقديم الخدمات لهم بتعاون وثيق من الأشقاء في وطننا العربي وجمهورية مصر العربية كون مطار العريش ومعبر رفح في الأراضي المصرية التي لم تغلق المعبر يومًا بتوجيه من فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية والحكومة والشعب المصري الذي آثر أن يقدّم كل شيء من أجل فلسطين وشعبها وهذا قدر مصر الذي آمنت وتؤمن به، بالإضافة إلى المساعي الدبلوماسية مع الأشقاء العرب؛ فالدم العربي واحد.
أتذكر الدور الإبداعي لمبدعينا العرب في مواقف كثيرة عندما تعرضت الأمة إلى محن وتم النداء لدعم المجهود الحربي بقيادة مصرية وطنية وكان الفنانون الكبار وقتها قد خصصوا أوقاتهم وجهودهم وفنهم من أجل المجهود الحربي بتفان منقطع النظير وتنادت الأمة للوقوف مع مصر العروبة من أجل استرداد الحق والأرض؛ والحمد لله كانت الإرادة الصلبة والعزم والتصميم عنوان لتلك المرحلة، بالإضافة إلى التذكير بالقيم والمشتركات التي تجمعنا وكان الفنانون المصريون والعرب قد شعروا بدورهم الوطني وجاءت فكرة «اوبريت الحلم العربي» من تأليف الشاعر مدحت العدل وتوزيع الموسيقار الليبي الشاعري وكان ذلك في العام 1998 واشترك فيه عدد من المغنيين العرب والملحن الموسيقار حلمي بكر والملحن صلاح الشرنوبي، ومطلع الأوبريت:
أجيال ورا أجيال
حتعيش على حلمنا
والي نقوله اليوم
محسوب على عمرنا
جايز ظلام الليل
يبعدنا يوم إنما
يقدر شعاع النور
يوصل لأبعد سما
ده حلمنا طول عمرنا
حضن يضمنا كلنا كلنا
الحلم ما هو مستحيل
ما دام تحقيقه مباح
والليل لو صار طويل
أكيد من بعده صباح
كون أنت بكل ما فيك
أن كان لك ولا عليك
حاول جرب وبتوصل
شرف التجربة يكفيك
أطفالنا بكل مكان
ضيء عيون الأوطان
الحق الحب الخير
رسالتنا بكل زمان
جايز ظلام الليل
يبعدنا يوم إنما
يقدر شعاع النور
يوصل لأبعد سما
خلي الأماني حقيقة
واحسب لوقتك حساب
كل الدروب الغليقة
يفتح لها الحب باب
فنك وطنك في الغربة
ومنين ما تخطي دليل
غني للناس والصحبة
حتلاقي الكون جميل..
نعم إنه الحلم العربي الذي يأمله كل مواطن ينتمي إلى هذه الأمة.
وبعد أحداث غزة انطلق صوت الفنان والمبدع التونسي لطفي بوشناق بأغنية رائعة بعنوان «وا أمتاه» من ألحانه وتأليف فيصل الشريف، يقول فيها:
وامتاه الصمت قد أردانا
إنا سئمنا الجور والطغيانا
سفك العداة دماءنا في غزة
والغرب قد كانوا لهم أعوانا
فالحق والعدل الذي يرجونه
في شرعهم نصبوا له ميزانا
أن يقتل العربي ليس تجنيا
فالعدل في أن يكثروا قتلانا
وأضاف:
قيم لهم لا يغرنك زيفها
هي كالسراب يراود العطشانا
تحت النعال مبادئ وشرائع
دسنا على أعناقها بخطانا
فنضالنا إرهاب في قاموسهم
إذ نفتدي بدمائنا الأوطانا
وحقوق إنسان لنا قد زوروا
لاحق منها غير سفك دمانا
والغرب للمحتل يهدي مدفعا
كي يقتل الاطفال والنسوانا
نتجرع الظلم المهين مرارة
واليوم صحنا يا أخوي كفانا
فرجال غزة زمجروا الطوفانا
لبيك يا اقصى دوي حناجر
لم ترض الإرهاب والعدونا
سنظل في بعض الشعوب قضية
تستنهض الأرواح والوجدانا
بئس السلام.. بئس
السلام.. بئس السلام
إذا السلام سلامهم
وا امتاه ألا نستفيق الآنا
أما الفنان العراقي كاظم الساهر فقد شدا بأغنية باللغة الإنجليزية بعنوان: «Hold Your Fire» يقول فيها:
نؤمن بقلوبنا نحمل شوقًا
من أجل السلام نصلي خمس مرات
في قلوبنا نحمل شوقًا للسلام
ونصلي بعض الوقت من أجل الوطن
يركضون للنجاة بحياتهم
محطات العنف تقتل براءتهم
ولم يكن في قلوبهم إلا الحزن
أمسك نارك.. أمسك نارك
لمن يحبك ولي
لقد تعبنا.. لقد تعبنا
حبيبان ممزقان ويبكي نحو السماء
لقد دفعت ثمناً لحياتها
ولا يوجد وقت للوداع.. لا وقت للوداع
رسالة واضحة وصريحة تضامنًا مع أهلنا في غزة الجريحة تنطلق بها حناجر مبدعي الأمة، إضافة إلى مواقف كل مواطن عربي حر شريف أخذ على نفسه مسؤولية الدفاع عن أرض فلسطين وشعبها الأبي في استذكار إنساني لما يعانيه المواطن الفلسطيني الذي يريد أن يعيش في وطنه آمنًا مطمئنًا يسهم في البناء والتعمير بشرف وأمانة؛ فالأوطان عزيزة والشعب بتضامنه مع قيادته يخلق السلام والأمن والإستقرار.
سيظل الشعب العربي وقيادته مؤمنين بقضية العرب الأولى يشاركهم في ذلك الأشقاء والأصدقاء في الدول الإسلامية والأعضاء في جامعة الدول العربية والضمير الحي وتحري الحقيقة لدى الشعوب الأخرى المؤمنة بالحق والعدل والإنصاف.
غزة الصابرة درس في الوطنية الحقّة والإيمان بضرورة التمسك بالأرض مهما قست الظروف ومهما حاولت قوى البغي والعدوان والتشريد والتهجير والإبادة وصنوف ألوان الإقصاء والقتل الجماعي وتدمير البنية التحتية.
نعم تظل القضية الفلسطينية أولوية لدى قادتنا وشعوبنا وأحرار العالم الذين عرفوا قيمة الوطن ومعنى المواطنة.
وعلى الخير والمحبة نلتقي..