لطالما كانت الإمارات مركزاً دولياً للعديد من المؤتمرات والفعالية التي تستقطب العالم بمختلف أطيافه واهتماماته وتخصصاته، وكما هي الحال، فإن الإمارات على أهبة الاستعداد مجدداً لاستضافة حدث دولي يجمع قادة الدول والرواد من مختلف القطاعات، وذلك لمناقشة مناخ كوكبنا، والعمل على استدامة موارده الطبيعية، والحفاظ عليه، ليكون ملاذاً صحياً لأجيالنا وأجيال أحفادنا.
إن الإمارات، ومن خلال رؤيتها الثاقبة، على موعد مع دورة استثنائية لمؤتمر «كوب 28»، حيث ستعمل على إعادة تعريف أهمية انعقاد هذه المؤتمرات على المستوى الدولي، من خلال التركيز على جلسات الحوار والنقاش حول الخطوات القابلة للتنفيذ، والحلول العملية لدفع العالم نحو مستقبل صافي الانبعاثات الصفرية. وبتوجيهات من معالي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، رئيس مؤتمر الأطراف «كوب 28»، يلتزم المؤتمر بتحقيق الشمولية في جميع القطاعات والحوارات، الأمر الذي لم يسبق التطرق له من قبل.
وقد ساهمت المشاركات العالمية الواسعة لمعالي الجابر في حشد جهود وحلول وأفكار مختلف الأطراف المعنية، ما أدى إلى توسيع نطاق مؤتمر «كوب 28»، لدمج التعاون بين القطاع الخاص وصناعة الطاقة. ويعد هذا التعاون أمراً محورياً في الحد من الانبعاثات، وتسريع التحول في مجال الطاقة، إذ إن الاستفادة من المعرفة والقدرات والمساهمات الاقتصادية لقطاعي الصناعة والطاقة، أمر بالغ الأهمية لجهود إزالة الكربون.
وشهدنا خلال العقد الماضي التركيز على أهداف اتفاق باريس، والمخاوف المتزايدة من عدم تحقيق هذه الأهداف، لذلك سيعمل المؤتمر على جمع الدول كافة للوصول إلى الإجراءات العاجلة والضرورية لإعادة البوصلة نحو هدف الحد من انبعاثات الغازات، ومنع ارتفاع درجات الحرارة العالمية بأكثر من درجتين مئويتين فوق المؤشر.
ويتميز «كوب 28» بالقدرة على تشجيع وتحفيز التقدم التكنولوجي، وتعزيز حلول أكثر كفاءة وفعالية، من حيث التكلفة لمستقبل الطاقة المستدامة، حيث إن تبنّي الابتكار ومشاركة أفضل الممارسات، يعد جزءاً لا يتجزأ من التغلب على التحديات، وتحسين مصادر الطاقة المتجددة، وضمان الانتقال السريع إلى عالم أنظف وأكثر اخضراراً.
وضعت الإمارات من خلال استراتيجيتها للطاقة 2050، أهدافاً طموحة لرفع نسبة إنتاج الطاقة النظيفة من مزيج إنتاج الطاقة، ومن المتوقع بحلول 2030، أن تصل إلى قدرة إجمالية 14 غيغاوات من الطاقة النظيفة، وتهدف إلى استخلاص 50 % من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2050. إن هذه الاستراتيجية لم تأتِ إلا من واقع ملموس، حيث إن مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية خير برهان، والذي سيكون أكبر مجمع للطاقة الشمسية في العالم في عام 2030، بقدرة تصل إلى 5 غيغاوات، فضلاً عن كونه الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لإنتاج الهيدروجين باستخدام الطاقة الشمسية، وتخزينه ثم إعادة تحويله إلى طاقة كهربائية، وهو ثمرة التعاون ما بين هيئة كهرباء ومياه دبي وإكسبو 2020 دبي وشركة سيمنس للطاقة.
وكانت رئاسة «كوب 28»، قد أعلنت مؤخراً عن تسهيل تأسيس تحالف مناخي لتعزيز منظومة التكنولوجيا المناخية العالمية، ويحمل التحالف اسم «الابتكار من أجل تكنولوجيا المناخ»، والذي يهدف لدعم الابتكار، وتطوير آفاق ومجالات التعاون في هذا المجال.
ومن خلال المشاريع العديدة التي أطلقتها في مجال الابتكار، تعتبر دولة الإمارات بطبيعتها مركزاً عالمياً للابتكار، وتماشياً مع هذه المشاريع، أعلن مكتب أبوظبي للاستثمار، وشركة سيمنس للطاقة، عن إنشاء مركز للابتكار، تابع للشركة داخل حرم جامعة خليفة، وسيعمل المركز، وهو واحد من أربعة مراكز لسيمنس للطاقة على مستوى العالم، على تسريع الرحلة إلى صافي الصفر، من خلال تطوير التكنولوجيا، والبحث التعاوني، وتبادل المعرفة، وبناء القدرات المحلية، وتوفير فرص العمل.
إن الانتقال إلى صافي الطاقة الصفرية، هو هدف طموح تتقاسم مهامه جميع الدول. ومع ذلك، فإن هذا التحول هو رحلة طويلة، وليس مشروعاً بين عشية وضحاها. حيث تعمل كل دولة عبر مراحل التحول مختلفة، وتواجه تحديات وفرصاً فريدة من نوعها. ولذلك، فإن التقدم يجب أن يفوق السعي إلى الكمال.
إن إنتاج الطاقة من الوسائل التي اعتدنا عليها، ما زالت حاضرة، وستلعب دوراً محورياً في عملية التحول نحو الطاقة النظيفة، حيث ستسهم في توفير أمن الطاقة بأسعار معقولة وفعالة في جميع أنحاء العالم للسنوات القادمة. ومن خلال الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، تعد محطة الحمرية المستقلة للطاقة في الشارقة، واحدة من توربينات الغاز الأكثر كفاءة في المنطقة. وعند مقارنتها بالفحم، فإن استخدام توربينات الغاز، يقلل من انبعاثات الكربون بنسبة تزيد على 50 %. وباستخدام تقنيات مثل التقاط الهواء المباشر واحتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه، يمكننا تقليل تكلفة الكربون لهذه الموارد بشكل أكبر.
ومع مواصلة استخدام وسائل تقليدية لإنتاج الطاقة، يجب علينا أيضاً أن ننظر للمستقبل، خاصة أن الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين 2050 لدولة الإمارات، تهدف إلى دعم الصناعات منخفضة الكربون، والمساهمة في الحياد المناخي، ووضع الدولة بين المنتجين الرئيسين للهيدروجين بحلول عام 2031. حيث إن مزج الهيدروجين من الغاز المسال، يمكنه أن يخفض الانبعاثات بشكل كبير.
إن استضافة «كوب 28» في الإمارات، تمثل فرصة فريدة لعرض ريادة الدولة في تحول الطاقة، وإعادة تأكيد الالتزام بالعمل المناخي، وتعزيز الابتكار والشراكات، وتحفيز الزخم نحو مستقبل أكثر استدامة، وذلك على المستويين الإقليمي والعالمي.