منذ إقصاء القضاء للسيد محمد الحلبوسي من رئاسة وعضوية مجلس النواب، تداولت الاوساط السياسية والاعلامية الكثير من الاسماء المتوقع وصولها الى رئاسة البرلمان وإسم السيد محمود المشهداني في مقدمتها، وهذه الشهرة والاهمية لا تعود الى كونه منافسا سابقا للحلبوسي على الرئاسة مع بداية الدورة البرلمانية الحالية فقط ولا بسبب ملابسات الجلسة الاولى للبرلمان التي كان المشهداني بطلها فقط أيضا وإنما بالأساس لأن المشهداني يتمتع بتاريخ مهم في البرلمان العراقي وأيضا لأن له ظهورا متميزا في الاعلام وحضورا سياسيا مختلفا صممه بنفسه.
شغل المشهداني رئاسة البرلمان في دورته الاولى (2006- 2008) في مرحلة حرجة من تاريخ العراق، بل يمكن القول إنها أحرج مرحلة وخاصة بالنسبة للسنة الذين أصبحوا خارج السلطة للمرة الاولى في تاريخهم وهو التحول الذي لم يصدقه او يقتنع به بعض أبناء الطائفة الكريمة ممن لم يستوعبوا امكانية وصول مكونات أخرى للحكم في العراق ومع تدخل سلطات الاحتلال بكل مفاصل الدولة، فرفضوا هذا التحول بعنف أحيانا وبالمقاطعة أحيانا أخرى الى حد التحريم كما فعل حارث الضاري ومن تبعه آنذاك.
في ذلك الوقت كان البرلمان ساحة المواجهة السياسية بين المكونات العراقية (شيعة، سنة، كرد، تركمان، مسيحيين، وغيرهم)، ولأنني كنت عضوا في الدورة التي رأسها المشهداني فإنني دائم المراجعة لتلك المرحلة التي دونت تفاصيلها في كتاب مخطوط ( أربع سنوات من نيابتي 2006-2010)، وأجد إن المشهداني تعرض لضغوط كبيرة وظروف صعبة خاصة مع اندلاع الاقتتال الطائفي بعد تفجير مرقدي الامامين العسكريين عليهما السلام في سامراء عام 2006، ومع كل أجواء الشد والضغوطات كان من الطبيعي أن تفلت الامور أحيانا في قاعة البرلمان وأن تصدر كلمات ومواقف غير متوقعة من المشهداني، وأسأل نفسي أحيانا بعين الاستاذ الجامعي الجديد على السياسة عن الطاقة التي امتلكها المشهداني لمواجهة تلك الظروف والضغوط وهو الطبيب الجديد على العمل السياسي أيضا والمعتاد على كلمات الطمأنة للمرضى وذويهم، كما أتساءل عن السوء الاكبر الذي كان يمكن ان يلحق بالعراق في تلك المرحلة لولا وجود شخصيات قوية ومؤثرة مثل المرحوم عبدالعزيز الحكيم والسيد نوري المالكي رئيس الوزراء آنذاك ود. فؤاد معصوم وهادي العامري والشيخ همام حمودي وسعدي البرزنجي وابراهيم الجعفري وأياد علاوي والمرحومين عدنان الدليمي وعدنان الباججي.
لقد كان البرلمان صالة عمليات جراحية كبرى يسودها الهرج والمرج وكان المطلوب من المشهداني اجراء عمليات دقيقة يرضى عنها الجميع وهو المستحيل بعينه في تلك الظروف التي يمارس فيها الجميع ضغوطاتهم ويحملونه المسؤولية عن كل شيء حتى أدى الأمر في النهاية الى إستقالة المشهداني بعد عدة أزمات حادة كان طرفا في بعضها.
منذ خروجه من البرلمان، عمل المشهداني على إعادة تموضعه في العملية السياسية وقدم إداء مختلفا جعله محط أنظار القوى السياسية والمراقبين والاعلاميين وفاز عدة مرات بالانتخابات، حيث إنتهج خلال الـ14 سنة الماضية مسار الاعتدال ولم يبخل بالنصح والصراحة والمكاشفة بالحقيقة وقدم خطابا سياسيا جذابا بين فيه محبته للعراق والعراقيين وصار له جمهور من كل المكونات ينتظر كلامه وآراءه وهو ما يؤهله اليوم لتسنم رئاسة البرلمان للسنتين القادمتين لنراقبه وهو ينفذ وعوده وتعهداته ويحول أقواله الى أفعال وتقريب وجهات نظر العراقيين وعونا للمظلومين والعمل جنبا الى جنب مع رئيس الوزراء لتشريع القوانين المتأخرة وتجنيب العراق مزيدا من الازمات لينعم أبناؤه بخيراته الكثيرة وبالعدل والامن.