
يتفق العراقيون جميعا، وعبر التاريخ، على رفض أي احتلال أجنبي، ولديهم حساسية شديدة من كل مظاهر الاحتلال العلنية والسرية، ولذلك هم يرفضون أي نوع من التواجد العسكري الأجنبي على أراضي وطنهم كما يرفضون الاحلاف العسكرية التي تدعم القوى الاستعمارية مثلما فعلوا مع حلف بغداد مثلا.
بل إن رفض العراقيين للاحتلال هو قضية ثقافية وتربوية وعقائدية ومن صميم هويتهم الوطنية التي تتجاوز القومية والدين والمذهب والانتماء الحزبي، ولذلك ساهموا في دعم أي حركة تحرر في العالم ولهم مواقف مشهودة تجاه القضايا التحررية إبتداء من دعمهم لمصر في مواجهة العدوان الثلاثي عام 1956 الى دعم النضال في تونس والثورة الجزائرية وكانت سياسة عدم الانحياز هي الأقرب الى تفكيرهم.
وبعد هذا التاريخ الطويل من رفض الاحتلال يكون من الطبيعي أن ينظر العراقيون بسلبية الى تواجد قوات التحالف الدولي وخاصة الجيش الأمريكي على أراضي بلادهم ولولا الصعوبات والأزمات التي شهدها العراق لم يكن من المتوقع أو المقبول أن تتواجد أي قوات أجنبية فيه.
إن الإقرار بهذه الحقيقة التاريخية يجب أن لايغفل الواقع الراهن والمشاكل التي تواجه العراق وقد تزداد تعقيدا في المستقبل، لذلك يجب أن تتعامل القوى السياسية والحكومة مع ملف إخراج القوات الأجنبية وانهاء دور التحالف الدولي بكل دقة وواقعية وأن يكون رأي القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء ومعه تقييم الوزارات والأجهزة الأمنية هو الفيصل الحاسم لتقدير حاجة العراق من عدمها لهذه القوات وأن تكون هناك مكاشفة بين القوى السياسية والجهات المختصة في تقييم جهوزية العراق للاعتماد على نفسه في إدارة الملف الأمني.
على القوى السياسية والبرلمان النظر الى التداعيات المستقبلية لأي قرار بشأن الوجود العسكري الأجنبي وأن تتم صياغة القرار والتفاهم عليه مع الدول المشاركة في التحالف بطريقة دبلوماسية تمنع أي تداعيات سلبية ولنتذكر دائما الماضي القريب عندما كانت المواقف والقرارات تتخذ بسرعة دون التحسب لتداعياتها وما جرته على العراق من ويلات انتهت به للوقوع تحت الاحتلال.
إن مستقبل الدولة العراقية والاجيال القادمة من أبناء شعبنا سيكون معلقا بالطريقة التي نتمكن بها من استعادة الاستقلال الكامل والسيادة الناجزة، وأعتقد جازما إن الحكومة العراقية الراهنة تمتلك من الجرأة والكفاءة ما يؤهلها لإتخاذ قرار في هذا الشأن وسيخرج بالصورة المناسبة وبدون خسائر لكن يتوقف ذلك على دعم القوى السياسية لرئيس الحكومة والالتزام بقراراتها الصادرة وفقا للدستور والقانون.