في لحظة من الزمن بلغنا بوفاة المربي الفاضل مدير مدرسة البديع الابتدائية للبنين سابقًا ورائد الحركة الكشفية في مملكة البحرين والعالم العربي، إنه استاذنا ومربي الأجيال محمد صالح عبدالرزاق القحطاني الذي عرفناه يوم أن كنا في ريعان الصبا، وإذا عطفه وحنانه يشمل جميع الطلبة في مدرسة نموذجية تضم جميع أو معظم شارع البديع بقراه المتعددة، فهو رغم التزامه بغرفة المدير إلا أنه يفضل أن يتواصل مع المدرسين والتلاميذ شعورًا منه أن المدرسة هي البيت المتماسك الذي يسهم في التعاون البناء لخير الأجيال. وكان المرحوم على تواصل مع أولياء الأمور من خلال الأنشطة التي تقوم بها المدرسة، الرياضية والفنية والرحلات داخل الوطن وكلما سنحت الفرصة لذلك.
كان من عادة من يذهب إلى غرفة المدير من الطلبة أن يكون العقاب قاسيًا لا يتم التخفيف منه إلا من خلال استدعاء ولي الأمر، غير أن المرحوم محمد صالح عبدالرزاق القحطاني اعتبر غرفة المدير لإصلاح ذات البين أو توجيه النصح والإرشاد، أو شكر الطالب على ما أنجزه وأثبت جدارته في ميادين كانت المدرسة تقيمها...
أتذكر نصائحه لنا عندما كنا نغيب أو نتأخر عن موعد طابور الصباح بحجة أننا كنا يومها نبحث عن الجراد الذي كان يأتي إلينا ويخلد إلى الراحة ليلاً فنداهم أوكاره، فكان بمزاحه ولطفه يوجهنا بأن الدراسة والالتزام بالدوام المدرسي أولى من البحث عن الجراد، فلكل نشاط أهميته، وكان يرحمه الله الحريص على تعليمنا أساليب الحياة، وكان المنهج الدراسي مقدسًا لا يمس، كان عندما يزورنا المفتشون من التربية والتعليم كان الحريص على تقديمهم لنا، ثقة منه في طلبة مدرسة البديع التبتدائية للبنين، ورغم انتهاء مدة إدارته لمدرسة البديع ظل وفيًا للمدرسين الذين قادوا مسيرة التعليم في مدرستنا، كما كان يرحمه الله يحفظ أسماء الطلبة النابهين ويستفسر عنهم وعن نشاطهم وما حققوه في مسيرتهم العملية.
وتشاء الصدف أن يكون بيني وبين أستاذنا الفاضل التواصل في أنشطة وزارة التربية والتعليم كونه مسؤولاً عن العلاقات العامة بالوزارة رغم تشعب أقسامها واختصاصها، فكان يساعدنا من خلال برامج الإذاعة والتلفزيون، وكانت مسابقات الطلبة بين المدارس إحدى الأنشطة الأبرز، وكان يرحمه الله الحريص على مواصلة هذا النشاط وتطويره لخير المسيرة التعليمية والتربوية. وأسهم في اقتراح أسماء لشخصيات كنت أستضيفها في برنامجي التلفزيوني «ندوة الأسبوع» وكنت احرص على رأيه فيما يتم طرحه من قضايا، وكان خير داعم ومشجع مع تأكيده على ضرورة إيجاد الحلول الناجعة لما يتم طرحه من قضايا. كنا نأمل في أثناء إدارته لمدرسة البديع أن يتم تبني نشاط الكشافة، إلا أن الظروف لم تساعد على ذلك، وكنا نحسد المدارس الأخرى على النشاط الكشفي، وكنا على دراية وثقة راسخة بقدرة الأستاذ على دعم الحركة الكشفية والمرشدات في وطننا البحرين، وكنا نسعد بزيارة المخيم الكشفي السنوي الذي تقيمه وزارة التربية والتعليم في المنطقة الساحلية بجنوب قرية الزلاق وقتها.
كان يرحمه الله الحريص أيضًا على الإسهام في النشاط التطوعي الخيري، وكان قد امتد نشاطه إلى بعض هذه الجمعيات شعورًا منه إن خدمة الوطن تكون في ميادين مختلفة وما دمنا قادرين على الإسهام فيجب أن لا نتأخر، كان يرحمه الله الحريص على أن نكون مسهمين في الأنشطة المجتمعية والثقافية التي تقيمها الدولة، وكوننا تلاميذ أخذنا منه القدوة، فقد كان الحريص على متابعة أنشطتنا ولم يبخل علينا بالنصح والإرشاد والتوجيه.
كان المرحوم من أبناء مملكة البحرين الأوفياء وأسهم في تعليم أولاده خدمة مجتمع البحرين، وكوننا نعلم صدق مشاعره تجاه وطنه فقد لمسنا في أولاده يحفظهم الله هذا الحرص على خدمة المجتمع والتفاني في تقديم كل العون الممكن، مع حرصهم على التعليم ونيل الشهادات العليا والتخصص الدقيق.
نعلم إن فقد استاذنا العزيز ليس سهلاً ولكنها سنة الحياة، وعزاؤنا إن الراحل العزيز قد ترك لنا قيمًا ومفاهيم وأبناءً صالحين الدكتور قتيبة القحطاني والمهندس أسامة القحطاني والدكتور عبدالرزاق القحطاني وابنته سحر القحطاني، أعانهم الله على حمل الأمانة التي كان يتطلع لها والدهم، فنحن نقول في أمثالنا «الحب يظهر على بذره»، وهم ولله الحمد أبناء صالحون ومواطنون كفوؤون، حبهم لوطنهم وقيادة وطنهم والتفاني في خدمة مجتمعهم وتسخير العلم بما ينفع ويضيف الجديد للمواطنين.
نترحم على أجيال خدمت بلادنا بكل إخلاص وتفانٍ، وعزاؤنا دائمًا بأن الأجيال سوف تحمل الأمانة إن شاء الله في خدمة الوطن والمواطنين.
رحم الله استاذنا ومربينا الفاضل محمد صالح عبدالرزاق القحطاني، مثواه الجنة ورضوان النعيم... إنا لله وإنا إليه راجعون.