آخبار عاجل

حكاية مصنع بسكويت بقلم د: محمد مصطفى الخياط

09 - 02 - 2024 1:00 226

تراجعت مبيعات مصنع بسكويت الأبطال وانخفضت إيراداته. فرضت الأزمة نفسها وانقسم العاملون، فريق اتهم الإدارة بالعجز وانعدام الخبرة، فدافع آخرون بأنها ذات الإدارة التي صعدت بالمصنع من الخسارة إلى الربح، وهنا بَرَى محترفو الشكاوى أقلامهم.

على التوازي، احتدم نقاش قسم الأغذية حول جودة منتجاتهم، وحسمًا للجدل ابتسم راضي وعَقَبَ اكتشافه أن ابنه يشتري من مصروفه بسكويت الكمال؛ أحد أكبر المنافسين، فما أن لمح في عيني أبيه عتابًا حتى أهداه واحدة منها، وهنا تعلقت العيون براضي تنتظر النتيجة، فضحك قائلاً "كانت رائعة الطعم ورخيصة الثمن!!"، فتبادلوا النظرات ساهمين ثم انفجروا ضاحكين.
واقترح مسئولو الصيانة تغيير الماكينات بأخرى أحدث مع تأمين تشغيلها بكفاءة من خلال عقود صيانة طويلة الأجل لتلافي ما حدث بماكينات تتمدد هامدة ولم يمض على تشغيلها أكثر من عامين، غمز سعفان بعينه وقال بنبرة ذات معنى و(كالعادة يحصل المدير وشلته على عمولة)، نهره فاضل وعقب (بلاش كلام فاضي)، فأقسم سعفان وكل عينيه ادعاء؛ امتلاكه نسخة من تلك العقود، فما كان من فاضل إلا أن شوح بذراعه بعيدًا وأشاح بوجهه مشمئزًا. 
وانحصرت مقترحات قسم الجودة في استيراد  قمح أوكراني وفانيليا إندونيسي بدلاً من تلك المنتهية الصلاحية. ودخلت العلاقات العامة على الخط بمشروع لحملة ترويجية تغزو مسلسلات رمضان ومباريات الدوري الأوروبي، مع برنامج حصري يقدمه الشيف عزيز ملبن على قناة (عيش وملح). 
كما أوضح الأستاذ حكيم أن تأجيل الاستثمار في الموارد البشرية أدى إلى تراجع الكفاءة في وقت تقفز فيه الشركات المنافسة للأمام مع كل طلعة شمس، ثم بصوت كله أسى (تأثر ولاءنا للمصنع.. صرنا نقدم مصالحنا الخاصة على واجباتنا العامة).
جرت المناقشات في أجواء ملتهبة ارتفعت فيها الأصوات والصراخ، الأمر الذي اضطر معه الأستاذ عبد السميع إلى شد ذراع بعضهم ليعيدوا عليه ما اقترحوه ليسجله في دفتر.
وهكذا، توالت وتشتت المقترحات والآراء وتبودلت الاتهامات، إلا أنهم كانوا على قلب رجل واحد في طلب علاوة استثنائية وزيادة مقابل كافة البدلات.
في المقابل، بذل ذوو الصوت الهادئ المتوازن جهدًا كبيرًا في تقريب وجهات النظر؛ فالماكينات المطلوب استبدالها لم يمض على تشغيلها عشر سنوات، والفانيليا والقمح أصابهما السوس لسوء التخزين، مع أهمية تعويض الأيدي العاملة الماهرة التي تركت العمل، فضلاً عدم جدوى حملة ترويجية تتجاوز تكلفتها مبيعات عام كامل، أما المطالب المالية فالواجب ربطها بمعايير أداء.
تذمر العمال كثيرو الشكاوى قليلو العمل ورأوا في تلك الآراء محاولة للالتفاف على مطالبهم الخاصة، وهنا وقف الحاج بركة –أكبر العمال سنًا- واتكأ على السور المعدني وجال بعينين رماديتين يخالطهما حُمرة في وجوههم وانتظر حتى صمتوا وجلسوا في أماكنهم، وخاطبهم قائلاً (نحن من بدأنا معًا في ظروف أسوأ مما نحن فيه، الفرق بين الأمس واليوم نسيان أننا الملاك الحقيقيون للمصنع وليس أصحاب الأسهم، أعمارنا مكتوبة على طرقات المصنع وحوائطه وماكيناته،  لماذا فقدنا الشغف بالتطوير وفضلنا التكرار، لماذا أهملنا العلم وصَدَرنا الفهلوة، أنتم من أعاد تشغيل الماكينات القديمة فكيف تعجزون مع الماكينات الجديدة!!. إن لم نساعد أنفسنا فلن يساعدنا أحد)، ثم وضع الميكروفون ومشى دامع العينين مُتكئًا على عصاه!!.
وعند هذا الحد هز صديقي رأسه بأسى مُختتمًا حكاية مصنع قضى فيه سنوات عمره ولديه رغبة صادقة للبذل ومواجهة التحديات كي يسترد المصنع عافيته لكنه قلق بشأن انقسام زملاؤه ما بين مخلص ومتشكك.. وهنا لم يملك صديقي نفسه فانحدرت على خده المتهدل دمعتين ساخنتين وغاب في بكاء طويل.
 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved