كلمة قيّمة تلامس الواقع ألقاها الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، في القمة العالمية الحكومية 2024، بعنوان «مسيرة الأجداد ومسؤولية الأجيال»، اشتملت على إضاءات مشرقة، تسلط الضوء على إنجازات وطموحات، وتكرس قيم وثوابت راسخات، لا غنى لأحد عنها.
تحدث سموه في مستهل كلامه عن الحضارات، والمراحل التي تمر بها، والنظريات الاجتماعية التي وضعت لتفسير نشوئها وانهيارها، والتي تقرر أن الدول تبدأ قوية، يتسلح أبناؤها في المرحلة الأولى بروح البناء والالتزام، فتزدهر الدولة، وينتشر الرخاء، فإذا نسيت الأجيال القادمة قيم المؤسسين، وخلدت إلى الترف والراحة وقلة الإحساس بالمسؤولية فمن هنا تبدأ مرحلة الانحدار، وهو ما يحدث في نظر أولئك المفكرين لدى الجيل الثالث الذين تسقط في عهدهم الدول والحضارات.
وفي هذا الإطار بيَّن سموه النهج الراسخ لاستدامة الحضارة، والذي يتحدى تلك القواعد ويسهم في استمرارية الدولة في الازدهار جيلاً بعد جيل، مستلهماً ذلك من سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وذلك إذا تمسكت الأجيال بالثوابت الإماراتية الأصيلة، وهي كما قرره سموه العقيدة الإسلامية، والتربية، والعمل، والتعليم، والولاء وحب الوطن، وقيادة الأسرة وتماسكها، والتي هي أساس تماسك المجتمع وصيرورته بيتاً متوحداً، وفي هذا الصدد علق سموه: «في رأيي أن الأسرة هي أول شكل من أشكال الحكومة، إذا ضعفت الأسرة ضعفت الدولة، والعكس صحيح».
كما تطرق سموه إلى مفهوم القدوة، والفرق بين القدوة والمؤثر، فإن الوسائط الاجتماعية عملت على تكريس مفهوم خطير، وهو إظهار المؤثر على أنه العنصر الفعال الذي ينبغي أن يحذو الصغار والكبار حذوه، مهما كانت طبيعة محتواه، مؤكداً سموه أن ذلك لن يغير من الحقيقة في شيء، فإن العنصر الذي ينبغي أن يُقدَّم للمجتمعات ويُفاخَر به هو القدوة صاحب الفضل والإنجاز، وليس المؤثر أياً كان، والذي قد يروج لقيم دخيلة مختلفة عن قيمنا تختلط فيها الإيجابيات بالسلبيات، حتى تصبح مثل السم في العسل، وتصبح أدوات وأسلحة وأجندات سياسية تهدف إلى تفكيك الأسرة، وإسقاط القدوة، وتشويه الرموز الوطنية للدولة، وترويج أفكار شاذة عن العادات والتقاليد، فأنى لمثل هذا أن يكون قدوة؟!
ومن هنا حرصت دولة الإمارات على تكريس مفهوم القدوة، عبر مبادرات نوعية، تستهدف الاحتفاء بالعلماء والنوابغ وصناع الأمل وأمثالهم من القدوات الإيجابية التي يزخر بها تاريخنا وحاضرنا، مؤكداً سموه أهمية الاختيار الواعي للقدوة، وخاصة إذا كانت من وطنك، فهي أحق بالاحتفاء والاقتداء، مشيراً إلى أن تاريخ الإمارات حافل بالقدوات، فكل أب وأم قدوة لأبنائهما، وكل من قدم خدمة لوطنه فهو قدوة، وكل شهيد قدوة في تضحياته، وقادتنا دائماً وأبداً قدواتنا في كل المجالات، قدوات في العطاء والإخلاص والعمل والإنجاز.
كما أشار سموه إلى قيمة مهمة من قيم المواطنة الصالحة، وهي الثقة في الوطن وقيادته، وعدم الانسياق وراء الشائعات والأخبار الكاذبة، التي أصبحت مثل حصان طروادة تهدف لاختراق المجتمعات، وذكر سموه بعض الدراسات التي تشير إلى أن 41 % من المراهقين لا يستطيعون التفريق بين المحتوى الحقيقي والمزيف عبر الإنترنت، وكم شكك بعضهم في أمور أثبت الواقع زيف دعاواهم، فشكك بعضهم في نجاح إكسبو 2020، فجاء الجواب قاطعاً، أكثر من 24 مليون زيارة لهذا الحدث الكبير، وشكك بعضهم في نجاح كوب 28، فجاء الجواب قاطعاً أيضاً، أكثر من ثمانين ألف مشارك، وأكبر صندوق لتمويل المناخ في التاريخ، واستعرض سموه نماذج من إنجازات دولة الإمارات التي حققت بها المراكز الأولى عالمياً، وعلق سموه قائلاً: «الثقة في الوطن لا تُبنى بالأخبار والتغريدات، خصوصاً المسيسة منها، إنجازات وطنك واضحة»، مشبهاً الوطن بالسفينة التي تبحر، فإنها لا تغرق مهما أحاطت بها من مياه، ما لم تدخل هذه المياه من الداخل، قائلاً سموه: «فلنحافظ على سفينتنا لتبحر والماء من حولها».
كما بيَّن سموه مكانة الإنسان والشباب في دولة الإمارات، الذين هم موضع ثقة ومحل طموح، وهم أهم ثروة للوطن، وبهم تحققت الكثير من الإنجازات، حتى وصلت دولة الإمارات إلى المريخ، في دولة لا تعرف المستحيل، وفي وطن يبحث في كل وقت وآن عن الريادة في شتى الميادين والمجالات.