الإنسان بطبيعة الحال كائن اجتماعي ذو بنية معقدة، ومما يتألف منه العواطف والمشاعر والأحاسيس، التي تلعب دوراً مؤثراً في حياته اليومية، وتنعكس في تعامله مع الآخرين في مختلف البيئات والمواقف، ابتداء من منزله مع أهله وأقاربه، ومروراً بجيرانه وزملائه وأبناء مجتمعه حيثما كان، وقد تؤثر في صحته وسلوكه بالإيجاب أو السلب.
ولذلك تحتاج هذه المشاعر الجياشة إلى موجهات تنظمها، لئلا تطغى على الإنسان، وتستولي على فكره، وتدفعه إلى طريق أو آخر دون اتزان أو ميزان، فيفعل ما يندم عليه، أو يحجم عما ينبغي عليه، ومن أهم ذلك، أن يتحلى أولاً بالوعي والفهم والإدراك تجاه ما يشعر به، وأن يتحلى ثانياً بالعزيمة والإيمان بأهمية توجيه هذه المشاعر لما فيه خيره وصلاحه، فيكون عالماً بنفسه، مهذباً لها، مستحضراً قول الله تعالى: {قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها}.
ومن الموجهات المهمة للمشاعر، الاتزان والاعتدال من جهة كيفياتها، فلا تنحاز مشاعره نحو السلبية، فيكون ذلك طابعاً له، فتراه حزيناً في كل موقف، أو ساخطاً لا يرضيه شيء، أو عصبياً لا يستطيع أحد مخاطبته، أو متشائماً يطفئ أينما حل مشاعل التفاؤل والأمل، فتكون نفسه مثقلة بهذه المشاعر السلبية، ثقيلاً على غيره، ولا يكون كذلك على النقيض، بارد المشاعر كالثلج، غير متفاعل بكلمة طيبة أو ردة فعل دافئة، مستهتراً غير مبالٍ، مفرطاً في التفاؤل والعجلة فيما يحتاج إلى نظر وتؤدة، والسعيد من وضع المشاعر الصحيحة في مواضعها الصحيحة.
ومن الموجهات المهمة للمشاعر كذلك، الحرص على الاتزان في مقاديرها، دون إفراط ولا تفريط، فلا يبالغ الإنسان في مشاعره مبالغة كبيرة، فإذا غضب بالغ، وإذا فرح بالغ، وإذا كره بالغ، وإذا رضي بالغ، فيترتب على ذلك اضطراب في آرائه ومواقفه ومزاجه وتعامله مع الآخرين، ولذلك، جاء في الحديث النبوي: «أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما»، أي: لا تسرف في الحب والبغض، فعسى أن يصير الحبيب بغيضاً، والبغيض حبيباً، فربما تكون قد أسرفت في الحب فتندم، أو أسرفت في البغض فتستحي.
ومن أهم ما ينبغي على الإنسان أن يتخلص من النظرة الاختزالية والسطحية عند تفسيره وتحليله لمشاعر الناس ومواقفهم، لئلا يحمل قولاً أو فعلاً صادراً من أحد على محمل بعيد، فإن هذه المشاعر والمواقف، قد تكتنفها أمور معقدة ومواقف سابقة تغيب عن الراصد، فيفسرها تفسيراً خاطئاً، فيسيء الظن بأصحابها، وقد يبني عليها ردود فعل سلبية تجاههم، ومما جاء في الأثر، أن سعد بن أبي وقاص مر ذات يوم على عثمان في المسجد، فسلم عليه، فلم يرد عليه السلام، فاشتكى إلى عمر، فأرسل إلى عثمان ليستوضح منه الأمر، فأبان عثمان عن عذره، وبيّن أنه لم ينتبه لذلك، لانشغال باله بموضوع كان يفكر فيه.
ومما يؤكد أهمية التوجيه الرشيد للعواطف، أن الحالة العاطفية لها تأثير كبير في أحكام الإنسان وقراراته، وقد أشار إلى ذلك الفلاسفة والحكماء منذ القدم، فذكر أرسطو في كتاب الخطابة، أن من الوسائل الأساسية لإقناع المستمعين، إثارة عواطفهم ومشاعرهم، وعلل ذلك بقوله: «لأن الأحكام التي نصدرها، ليست سواءً عندما نتأثر بالفرح أو الحزن، أو الحب أو الكراهية»، أي أن الإنسان قد تتغير أحكامه من حيث قبول كلام السامع أو رفضه، وفقاً للمشاعر التي تستولي عليه، فلا يكون حكمه في حال الفرح والمحبة، كحكمه في حال الحزن والكراهية، والسعيد من ضبط مشاعره، وجعل الحق والصواب قبلته، ولذلك، جاء النهي للقاضي من أن يحكم وهو غضان، لأن الغضب يشوش على فكره، ويحجب عنه النظر الصحيح، وألحق العلماء بذلك كل ما كان في معناه من المشاعر المفرطة، كالخوف الشديد، والفرح الشديد، والحزن الشديد، وهذه المشاعر الأربعة التي ذكرناها، وهي الغضب والخوف والحزن والسعادة، تأتي على رأس المشاعر الأساسية التي اتفق عليها كثير من الباحثين المعاصرين في دراساتهم، وجدير أن ينتبه لذلك كل من تصدر للحكم بين الناس وعلاج مشكلاتهم والنظر في شكاواهم، ابتداءً من الأبوين عند علاج مشكلات أبنائهم، أو الأقارب عند علاج مشكلات أسرية، ومروراً بكل مسؤول عن موظفين أو طلاب أو مصلح أسري أو غيرهم، لتكون عواطفهم رشيدة، وأحكامهم سديدة.