تعد الشخصية الوطنية الواعية من أهم دعائم قوة المجتمعات والأوطان، والأساس المتين الذي يزدهر به المجتمع.
وتمثل هذه الشخصية القيم والمبادئ التي يسير عليها الوطن، فما الوطن إلا بأبنائه، وما المجتمع إلا بأفراده، وحينما يتحلى هؤلاء الأفراد بقيم المواطنة الصالحة والوعي الدائم يكونون خير سند لقيادتهم ووطنهم، سواء في دعم الخطط والاستراتيجيات والمبادرات التي تهدف للتنمية والنهضة والتقدم، أو في التصدي للعوائق والمهددات والأخطار التي ترمي إلى إضعاف الوطن وعرقلة نموه وقوته، مهما تسترت بشعارات، أو تدثرت بمبررات.
وتتأكد أهمية الشخصية الوطنية الواعية في عصر الفضاء المفتوح والقرية الصغيرة التي تقذف أمواجها مختلف المحتويات على شاشات الهواتف الذكية، بما في ذلك الشائعات والأخبار الملفقة والتحليلات المتحيزة والأيديولوجيات العابرة للحدود، التي تهدف لكسر الهوية الوطنية ونزع قيم الولاء والانتماء، والتلاعب بالمشاعر والعقول لصالح أجندات وتنظيمات ودول تستغل هذا الحدث أو ذاك.
مما يجعل الفرد الذي لا يتحلى بقيم المواطنة والوعي عرضة للحيرة والتشكك والاختطاف الفكري والعاطفي، وقد يؤيد اتجاهات معارضة لاتجاهات قيادته تأثراً بشعارات زائفة، وقد يتشكك في مواقف قيادته بسبب هجمات حاقدة مضادة ضد وطنه وقيادته ويصبح عرضة لأي أجندات مشبوهة تستهدفه.
إن وسائل اختراق المجتمعات اليوم تطورت بتطور التقنيات والأدوات الرقمية، وانتشار تطبيقات التواصل الاجتماعي، وبالأخص تقنية الفيديوهات القصيرة والبثوث المباشرة وغيرها، وتنامي استخدام الذكاء الاصطناعي، وخاصة الذكاء الاصطناعي التوليدي القادر على إنشاء نصوص أو صور أو فيديوهات أو أنواع أخرى من المحتويات وإظهارها وكأنها محتويات حقيقية من صنع الإنسان.
مما يجعلها عرضة للقبول والتصديق من قبل البعض، وخاصة مع اتجاه كثير من التنظيمات والدول للتوظيف الممنهج للإعلام للتأثير على الرأي العام واستقطاب مؤيدين لها، وهو ما نراه بوضوح لدى أطراف الصراعات القائمة اليوم، بل يتجاوز الأمر كل الحدود بالتوظيف الزائف المكشوف للمحتويات الإعلامية للتأثير على الناس بأي وسيلة كانت.
إن الشخصية الوطنية الواعية تدرك هذا الواقع تماماً، وهي تملك جداراً متيناً ودرعاً حصيناً يحول دون أي اختراق لها من قبل أي من تلك الاتجاهات والتيارات.
لأنها تقوم على قيم راسخة ومبادئ ثابتة، جوهرها التمسك بالوحدة والتلاحم والتكاتف، وقوة الانتماء والولاء للوطن، والاصطفاف مع القيادة والثقة بها، والإيمان برؤيتها الحكيمة الصائبة، والالتزام بنهجها السديد في معالجة القضايا والتعامل مع الأزمات الداخلية والخارجية، وتغليب صوت العقل، وتطعيم العواطف وتهذيبها، واليقظة تجاه أي مهددات تسعى لزعزعة هذه المبادئ والقيم.
ومن أهم سمات الشخصية الوطنية الواعية الحرص على وحدة الأوطان وسلامتها، وعدم الانصياع لأي أصوات تحرض وتدعو للفتن والإخلال بالأمن والاستقرار.
والتحلي بالعقل الرشيد، فإن العاقل يدرك أن معالجة الأزمات لا تكون بتوليد أزمات جديدة، والتنديد بعدو خارجي لا يكون بزعزعة الأمن الداخلي، والتعبير عن العواطف لا يكون باختلاق عواصف، فإن مثل هذه المعادلات غير المنطقية والمدمرة لا يقبل بها العقل الواعي، بل إن العاقل يدرك تماماً أنها ليست سوى وقود لإشعال الفتن، وإعاقة سبل العلاج الممكنة للأزمات القائمة.
ولذلك فإن من سمات الشخصية الوطنية الواعية أنها شخصية متزنة عاطفياً وعقلياً وواقعياً، وهي تدرك أن كثيراً من المشكلات والأزمات ليس لها حلول سحرية فورية تنتهي بضغطة زر في لحظة واحدة، بل هي تدرك مدى تشعب بعض الأمور وتعقيدها، وخاصة ما يتعلق بالصراعات الخارجية، التي ترتبط في كثير من الأحيان بشبكة من الخيوط المتشابكة التي ترتبط بأطراف متعددة، وتتطلب اتباع مسارات حكيمة للخروج بالعلاج الناجع لها، في عالم تحكمه أنظمة وقوانين عالمية تفرض على الجميع التزامات واتجاهات محددة.
كما أن الشخصية الوطنية الواعية تدرك كذلك أن الدول والقيادات لا تألو جهداً في اتباع كل سبيل ممكن للعلاج دون توانٍ أو تقصير، إيماناً بمسؤوليتها ونهجها الراسخ في تعزيز السلام للجميع، ودعم حق المجتمعات والشعوب في أن تعيش بكرامة واستقرار، كما تدرك أن الفرق كبير بين الحكمة والتقصير، وبين اتباع الممكن المتاح والشعارات المثالية البعيدة عن الواقع، وبين الباحث الحقيقي عن العلاج بشتى السبل والمتاجر الذي يوظف ويستغل الأحداث لمآربه الخاصة.