١-:حب المعرفة والاكتشاف
يقول الدكتور براد شو في كتابه المعروف "العودة إلى الطفولة" بإن الأطفال يتميزون في أولى سنوات حياتهم بالبراءة ،والفضول لمعرفة محيطهم الأسري ،فيثقون بمن يربيهم كثيرا ولا يتصورون وجود الشر في هذا العالم.
كما أنهم بطبيعتهم لديهم فضول لمعرفة ما في محيطهم ويريدون لمسه او تجربته ، ويتكون في هذه السن لدى الطفل الرغبة في معرفة وظائف أعضائه الجسدية مما يدفعه إلى لمسها ومعرفة ماهي وظائفها ،وإذا لم يعلم يسأل والديه أو من يربيه عن هذه الوظائف ، ليشبع فضوله الطبيعي في المعرفة والاكتشاف .
لكن ذلك قد يوقعه أحيانا في مشاكل مع والديه أو من يربيه ، لماذا؟ لأن هؤلاء الآباء والمربون لم يسمح لهم أباءهم في طفولتهم ،أو من يربيهم أن يتمتعوا بحرية التعبير ، لذلك يحملون معهم في شخصياتهم احباطاتهم وآلام طفولتهم، فتمنعهم من التجاوب بشكل طبيعي وصحي مع الأطفال اللذين يقومون بتربيتهم ، أي بمعنى آخر لم يكبر الطفل في داخلهم ،فيعاملوهم من خلال شخصياتهم المريضة لما تعرضوا له في طفولتهم من معاملة سيئة ومحبطة ودنيئة أحياناً ، فيمارسوا مع أبنائهم نفس الأسلوب الذي مارسه آبائهم معهم ،من كتم لمشاعرهم والغضب عليهم عند ابداء آرائهم، أو عندما يرغبون في الاكتشاف والمعرفة حول ما يتعلق بأجسادهم أو محيطهم الاجتماعي، فيقوموا بخنق رغبة الأطفال الفطرية في حب المعرفة والاكتشاف ،وهما الصفتان التي يتميز بها الأنسان عن الحيوان ،ويكون بهما شخصاً يتمتع بالثقة بالنفس وحب المعرفة ليشبع فضوله النفسي والعقلي وليصل إلى النجاح في أي مهنة يريدها مستقبلاً ، ونتيجة لذلك الحرمان ، فأن الحياة تصبح بالنسبة إلى ذلك الطفل مشكلة يجب حلها ،لا مغامرة تشبع رغباته في المعرفة والاكتشاف المفيد لشخصيته ،وبذلك يحرم الطفل من أسس الحياة السليمة لكي يكون إنساناً متفاعلاً مع الحياة راغباً في المعرفة والنجاح ومطمئن النفس بعيداً عن العقد النفسية.
وينطبق ما ذكرته على أطفال دور الرعاية ممن يتعامل معهم ، من موظفون مسؤولين عن تربيتهم وتلبية احتياجاتهم المادية والنفسية والتربوية .
لقد خلق الله سبحانه الأنسان دون "رادار" مثل ما منحه للحيوانات فيشعرون بما حولهم ويهربون عندما يتعرضون للعدوان ، إلا أنه يتعلم مما يتعرض له من تجارب ،والتعليم الجيد الصحيح يتم على يد أب أم أصحاء نفسياً ،ومربي للأيتام لا توجد لديه عقد نفسية من معاملة من حوله له في طفولته ليتمكن من تربيته للطفل بأسلوب إيجابي.
أما اذا كان عكس ذلك فأن الطفل يفقد ثقته بمن يربيه ..ويفقد الاحساس بالأمان فيتجه إلى الانزواء والوحدة النفسية بعيد عن الحياة السعيدة ألآمنة التي تربي لديه الشخصية المتوازنة، وإذا تكرر ذلك الاحباط والقهر والاحساس بالشقاء ،فإن الطفل يفقد الأمل في الحياة الجميلة التي يتمناها وتترسب لديه مع الوقت العقد النفسية ، التي نتجت عن هذه التربية السيئة، والتي يصل بعضها إلى الاعتداء الجنسي على الاطفال ، من آباء مرضي نفسياً ومن شخص يعمل في دار الأيتام معقد منذ طفولته ،ويعذب الطفل الذي يربيه بممارسة سلوك لا يرغب فيه ويمارسه خوفاً منه ، والمؤلم حقاً أن أمثال هؤلاء الأطفال يعيدون مأساتهم مع أولادهم مستقبلاً ،لأن الطفل لم يكبر في داخلهم ويجعله يتصرف مع أولاده بشخصية والده القبيحة لا شعورياً ،وهكذا ينتج عن هذا الأسلوب السيئ في التربية ،سلسلة من الآباء الذين يشقون أبنائهم ،فلا يشعرون بالطموح والرغبة في النجاح ،أو يتحولوا إلى مجرمين بقدر ما تعرضوا لمعاملة سيئة وقاسية في ظل من يرعاهم تقوم على الضرب والإهانة أو التحرش الجنسي.