أجلستني المصادفة أمام شاشة التلفاز لمتابعة الدقائق العشر الأخيرة من مباراة كرة القدم بين فريقي ساوثهامبتون المتقدم بثلاثة أهداف والأرسنال المتأخر بهدفين في الدوري الإنجليزي، في مفاجأة لم يتوقعها أحد.
عقمت موجات هجوم الأرسنال على إحراز هدف يؤكد مقولة كابتن محمد لطيف؛ أحد أشهر معلقي جيل السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، (الكورة أجوال)، فالنتائج لا تعترف إلا بالأهداف.
لرجل مثلي لا يعرف الفرق بين التسلل وضربة الجزاء، ولا تعنيه صيحات الجماهير مفطورة القلب في الملعب وحول الشاشات، ولا حتى ضيق مُضيفي وزفراته الساخنة، يصبح فوز أي فريق؛ ولو كان ساوثهامبتون المهدد بالهبوط على الأرسنال المرشح للفوز بالبطولة، أمرًا غير ذا بال.
عقب أحد المتحلقين حول الشاشة في هدوء؛ (لمثل هذه الفرق تُعلق النتيجة حتى صافرة النهاية"، شوح مُضيفنا بذراعه ضيقًا وعقب معترضًا، (الكلمة دائمًا للحظ).
مع تآكل الوقت ازدادت شراسة هجوم الأرسنال واستماتة دفاع وعارضة مرمى ساوثهامبتون، ثم تحققت المفاجأة، وصدقت مقولة الرجل؛ إذ سجل الأرسنال هدفين متتاليين في آخر دقيقتين وسط ذهول الجميع؛ اللاعبين والمشجعين والمتفرجين أمثالي.
ثم كادت تحدث المفاجأة، والتي كانت منذ لحظات مستحيلة وتنقلب النتيجة لصالح الأرسنال خلال الوقت المحتسب بدل الضائع، لكن الأقدار شاءت أن تنتهي المباراة بالتعادل ويتقاسم لاعبو الفريقين البسمات والنقاط، ويخرج كل لاعب وعلى وجهه نصف ابتسامة؛ الأرسنال إذ التعادل أقل مهانة من الهزيمة، وساوثهامبتون الذي لم يصدق لاعبوه أنهم أحرزوا هذه النتيجة.
رنت في رأسي رباعية صلاح جاهين التي يقول مطلعها (أنا قلبي كورة.. والفراودة أَكَمْ)، وتداعت على رأسي عدة رسائل إذ عبرت المباراة عن تحديات الحياة وصراعاتها، البسيطة ممثلة في فريق ساوثهامبتون المتواضع، والصعبة جسدها فريق الأرسنال بصفوف قوية متناغمة الأداء، وأن ما نظنه سهلاً يمكن أن يصبح باستهانتنا عقبة تعوق، وربما تغير مسارات حياتنا، ثم أن معرفة مواطن قوة الخصم ووضع خطة لعب تتناسب معها إلى جانب الإعداد النفسي والبدني اللائقين، يمنح المنافس القدرة على تقديم أداء، وربما نتيجة أيضًا، مختلفتين.
أيضًا، لعب الفريقان المباراة كلها بروح واحدة؛ لا فرق بين أول دقيقة وآخر ثانية، دأب متواصل وتمسك بالأمل، وتطوير مستمر ظهر في تغييرات مدربي الفريقين، أحدهما قبل نهاية المباراة بأربع دقائق، بث البدلاء النشاط والحيوية في صفوف الفريقين، وبدا أن المدربين يريا في أرض الملعب لوحة شطرنج، شخوصها اللاعبون، وبحسب تحركات الخصم يتحرك المنافس. التمسك بخطة ثابتة لا تتغير مع ديناميكيات المباراة تُخرج الفريق من المباراة، وكذلك الإبقاء على نفس التشكيل وعدم الاستفادة بالبدلاء يهدد مسار الفريق ويدفع باللاعبين الأساسيين إلى ضفة الطمأنينة وأنهم في التشكيل سواء أجادوا أم أساءوا.
أيضًا، لا معنى لارتفاع نسبة الاستحواذ، 73% للأرسنال، ما لم تتوافر معها القدرة على التهديف، إذ أدى الاندفاع المتهور والثقة الزائدة إلى تسجيل الخصم هدفين في الأربع عشرة دقيقة الأولى، مما أصاب الأرسنال بصدمة أدت إلى استحواذ بدون فعالية.
ليست فقط الفرق الرياضية التي ينطبق عليها هذه الرسائل من ضرورة امتلاك خطط لعب تتسم بالمرونة والتفاعل المباشر مع المستجدات، والحرص على شحذ همة الفريق وضخ وجوه جديدة قادرة على بث الحيوية وتنفيذ خطط لعب غير تقليدية، بل تمتد أيضًا إلى نواحي الحياة العامة والسياسية، التي يجعل منها التنظير البحت مباراة كرة قدم تنتظر براعة المدرب في فهم إمكانات لاعبيه الأساسيين والبدلاء وقدرته على توظيفهم بشكل فعال يحقق الأهداف وينتزع صرخات الفرح من قلوب وأفواه المشجعين والمتفرجين.
كرة القدم ودروب الحياة
محمد مصطفى الخياط
أجلستني المصادفة أمام شاشة التلفاز لمتابعة الدقائق العشر الأخيرة من مباراة كرة القدم بين فريقي ساوثهامبتون المتقدم بثلاثة أهداف والأرسنال المتأخر بهدفين في الدوري الإنجليزي، في مفاجأة لم يتوقعها أحد.
عقمت موجات هجوم الأرسنال على إحراز هدف يؤكد مقولة كابتن محمد لطيف؛ أحد أشهر معلقي جيل السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، (الكورة أجوال)، فالنتائج لا تعترف إلا بالأهداف.
لرجل مثلي لا يعرف الفرق بين التسلل وضربة الجزاء، ولا تعنيه صيحات الجماهير مفطورة القلب في الملعب وحول الشاشات، ولا حتى ضيق مُضيفي وزفراته الساخنة، يصبح فوز أي فريق؛ ولو كان ساوثهامبتون المهدد بالهبوط على الأرسنال المرشح للفوز بالبطولة، أمرًا غير ذا بال.
عقب أحد المتحلقين حول الشاشة في هدوء؛ (لمثل هذه الفرق تُعلق النتيجة حتى صافرة النهاية"، شوح مُضيفنا بذراعه ضيقًا وعقب معترضًا، (الكلمة دائمًا للحظ).
مع تآكل الوقت ازدادت شراسة هجوم الأرسنال واستماتة دفاع وعارضة مرمى ساوثهامبتون، ثم تحققت المفاجأة، وصدقت مقولة الرجل؛ إذ سجل الأرسنال هدفين متتاليين في آخر دقيقتين وسط ذهول الجميع؛ اللاعبين والمشجعين والمتفرجين أمثالي.
ثم كادت تحدث المفاجأة، والتي كانت منذ لحظات مستحيلة وتنقلب النتيجة لصالح الأرسنال خلال الوقت المحتسب بدل الضائع، لكن الأقدار شاءت أن تنتهي المباراة بالتعادل ويتقاسم لاعبو الفريقين البسمات والنقاط، ويخرج كل لاعب وعلى وجهه نصف ابتسامة؛ الأرسنال إذ التعادل أقل مهانة من الهزيمة، وساوثهامبتون الذي لم يصدق لاعبوه أنهم أحرزوا هذه النتيجة.
رنت في رأسي رباعية صلاح جاهين التي يقول مطلعها (أنا قلبي كورة.. والفراودة أَكَمْ)، وتداعت على رأسي عدة رسائل إذ عبرت المباراة عن تحديات الحياة وصراعاتها، البسيطة ممثلة في فريق ساوثهامبتون المتواضع، والصعبة جسدها فريق الأرسنال بصفوف قوية متناغمة الأداء، وأن ما نظنه سهلاً يمكن أن يصبح باستهانتنا عقبة تعوق، وربما تغير مسارات حياتنا، ثم أن معرفة مواطن قوة الخصم ووضع خطة لعب تتناسب معها إلى جانب الإعداد النفسي والبدني اللائقين، يمنح المنافس القدرة على تقديم أداء، وربما نتيجة أيضًا، مختلفتين.
أيضًا، لعب الفريقان المباراة كلها بروح واحدة؛ لا فرق بين أول دقيقة وآخر ثانية، دأب متواصل وتمسك بالأمل، وتطوير مستمر ظهر في تغييرات مدربي الفريقين، أحدهما قبل نهاية المباراة بأربع دقائق، بث البدلاء النشاط والحيوية في صفوف الفريقين، وبدا أن المدربين يريا في أرض الملعب لوحة شطرنج، شخوصها اللاعبون، وبحسب تحركات الخصم يتحرك المنافس. التمسك بخطة ثابتة لا تتغير مع ديناميكيات المباراة تُخرج الفريق من المباراة، وكذلك الإبقاء على نفس التشكيل وعدم الاستفادة بالبدلاء يهدد مسار الفريق ويدفع باللاعبين الأساسيين إلى ضفة الطمأنينة وأنهم في التشكيل سواء أجادوا أم أساءوا.
أيضًا، لا معنى لارتفاع نسبة الاستحواذ، 73% للأرسنال، ما لم تتوافر معها القدرة على التهديف، إذ أدى الاندفاع المتهور والثقة الزائدة إلى تسجيل الخصم هدفين في الأربع عشرة دقيقة الأولى، مما أصاب الأرسنال بصدمة أدت إلى استحواذ بدون فعالية.
ليست فقط الفرق الرياضية التي ينطبق عليها هذه الرسائل من ضرورة امتلاك خطط لعب تتسم بالمرونة والتفاعل المباشر مع المستجدات، والحرص على شحذ همة الفريق وضخ وجوه جديدة قادرة على بث الحيوية وتنفيذ خطط لعب غير تقليدية، بل تمتد أيضًا إلى نواحي الحياة العامة والسياسية، التي يجعل منها التنظير البحت مباراة كرة قدم تنتظر براعة المدرب في فهم إمكانات لاعبيه الأساسيين والبدلاء وقدرته على توظيفهم بشكل فعال يحقق الأهداف وينتزع صرخات الفرح من قلوب وأفواه المشجعين والمتفرجين.