الأعياد مضت والحمد لله على كل حال، ونظل ندعو الله جلت قدرته أن يُديم علينا الأفراح وتدخل ديارنا البهجة والحبور، وبالطبع لا ننسى ما يتعرض له الأشقاء من آلام، أسبابها كثيرة ونظل نأمل أن تزول هذه الأسباب ونعيش آمنين مطمئنين... في حياتنا نحتاج إلى التعاون والتكاتف والمؤازرة، نعم نتعرض لبعض المنغصات والآلام، ونتذكر زملاء التقينا بهم في الأعمال والحرف والمهن وإذا بنا نسمع ونقرأ رحيلهم إلى العالم الآخر وندعو الله جلت قدرته أن يغفر لهم ويثيبهم على كل خير فعلوه، وهذه هي الدنيا إقبال ورحيل... رحم الله من فارقنا وندعو الله جلت قدرته أن يغفر لهم ويثيبهم على كل خير فعلوه.
الحياة مليئة بالفرص والظروف التي تجعلنا نتفاءل، وقديمًا قيل «تفاءلوا بالخير تجدوه»... نحن في أعمالنا نحتاج إلى التعاون والبذل والعطاء وأحيانًا يواجهني بعض من ألتقي بهم ويطلب أن يغير وظيفته أو مهنته، فقد مل روتين الوظيفة التي هو عليها، وأتأمل في تقاطيع وجهه فأجد أن السنين لعبت بسحنته، وغيرت معالم وجهه؛ فأتساءل ترى ماذا لا يعجبه في وظيفته الحالية وقد قضى منها زمنًا وتعرف على الكثير من الناس بمختلف أعمارهم ومهنهم وتخصصاتهم، وكون صداقات ومعارف هي إحدى كنوز الدنيا الفانية... التغيير ضروري، ولكن الثوابت أيضًا ضرورية... قد نكون بحاجة إلى تغيير نمط ما اعتدنا عليه والتجديد مطلوب، والحياة بطبيعتها تفرض هذا التجديد والتغيير، وعلينا أن نؤمن بأن الأيام حبلى بالتغيير وعلى المرء منا أن يكيف نفسه لما يحب ويرضى، ولا نملك طبعًا أن نغير بعض المفاهيم لمن نتعامل معهم، ولكن بالصبر والمثابرة والمصارحة نستطيع أن نتلاءم ونتكيف مع متغيرات الحياة ومتغيرات الوظيفة التي نحن قضينا ربما ردحًا من الزمن فيها...
عندما كنت أتأمل في شخصية جدي لأبي المرحوم محمد بن صالح الذوادي مثواه الجنة ورضوان النعيم كان يحكي لي كيف عمل من الأعمال ما هو شاق وصعب واحتاج منه إلى الغربة أحيانًا أو التنقل من قرية إلى أخرى ومن مدينة إلى أخرى في البحرين والمنطقة الشرقية ودارين تحديدًا، كما عمل في شركة نفط البحرين منذ تأسيسها واكتشاف النفط في الثلاثينات، ولكونه أيضًا ختم القرآن الكريم فقد سنحت له الفرصة لحضور بيوت الحكام الكرام من آل خليفة كقارئ للقرآن في مجالسهم بقرية الجسرة، إلى الاعتناء بمزرعة المغفور له بإذن الله تعالى صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين وتوابعها طيب الله ثراه التي كانت موجودة في الجسرة، وكانت المزرعة بها الكثير من أنواع النخيل التي كانت تجود بأنواع شتى من الرطب كل بموسمه، وكان أهل الجسرة لهم نصيب من هذا الخير، حتى إذا ذهب الجد إلى منطقة القضيبية بالمنامة كان مجلس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ إبراهيم بن حمد آل خليفة مكانًا لقراءة القرآن وبالذات أيام وليالي رمضان... ثم انتقل من مسجد إلى آخر حتى استقر به المقام في مسجد المغفور له بإذن الله تعالى عبداللطيف الودعاني الدوسري بالبديع رحمه الله، وظل وفيًا لهذا المسجد حتى انتقل إلى رحمة الله تعالى.
أمثال الجد كثر في مجتمعنا الآمن المستقر، وعلينا أن نأخذ الدروس والعبر من أولئك الرجال الذين كان همهم أن يبذلوا الغالي والنفيس من أجل إسعاد أهلهم وذويهم وجيرانهم وأصدقائهم.. قصص تروى لنا عن هذه الشخصيات التي عملت في ظروف صعبة لكنهم آمنوا بأن الأوطان تُبنى بسواعد أبنائها وتعاونهم وتكاتفهم، والتغلب على المصاعب والمحن.
لقد رسموا لنا الطريق والمتأمل فيما أنجزوه يشعر بالأمن والطمأنينة إن الدنيا بخير طالما عشنا من أجل بعضنا بعضًا ومن أجل أن نتعاون ونتكاتف ونتغلب على المشاكل التي قد تعترضنا.. لم يكن الأجداد والآباء هؤلاء في عيش رغيد، لكنهم بقناعتهم وبذلهم وتعاونهم مع بعضهم البعض استطاعوا أن يعيشوا في وئام وتعاون تظلل أعمالهم السماحة وطيب الخاطر والتعاون إلى أقصى الحدود، وكانت مجالسهم التي أنشأوها خير مدارس تعلموا منها الكثير، وعندما أفاء الله على البحرين الخير، عملوا في وظائف تخدم الوطن وعلموا أولادهم أن طلب العلم والتخصص يزيد من العطاء الإنساني للوطن فثابر الأبناء على التحصيل العلمي، وعملوا في وظائف متعددة وكان مردودها خيرًا على الوطن والمواطنين.