قبل يومين ترجل فارس من فرسان الشعر العربي هو الأمير بدر بن عبد المحسن بن عبدالعزيز آل سعود وغادر هذه الدنيا الفانية بعد حضور عميق الأثر خلد له مكانة رائعة في قلوب جميع من عرفه، وكان لهذا الرحيل أكبر الأثر في قلب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، الذي رثاه بقصيدة هي من عيون الشعر وغُرَر القصائد نشرها على حسابه، وجعل لها عنواناً دالاً على محتواها هو «في رثاء الأخ الأمير بدر بن عبد المحسن»، أبدع فيها في الدلالة على المكانة الفريدة التي كان يحتلّها الراحل الجليل في قلوب الناس عامة وفي قلب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد على وجه الخصوص.
الشعرْ ما يفنى ولا يموتْ الإبداعْ
لكنْ بدرٍ منْ بدورَهْ ترجَّلْ
شاعرْ لهْ الكلمهْ بما يريدْ تنصاعْ
بهْ ارتقى المعنى بما منهْ سجَّلْ
بهذه الكلمات الرقيقة العذبة يفتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هذه المَرْثاة التي كتبها في وداع الراحل الكبير الأمير بدر بن عبد المحسن آل سعود أحد نجوم الشعر في سماء الشعر اللامعة، والمبدع الذي تغلغل إلى أقصى نقطة في القلب الإنساني بما كتب من الأشعار البديعة التي تعمّق الإحساس بقيمة المشاعر الإنسانية الراقية.
فكانت هذه المرثاة من صاحب السمو تعبيراً عن مبلغ المحبة التي يحتفظ بها في طوايا الجوانح لهذا الشاعر الكبير، حيث يجزم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بأن الشعر في ذاته لا يفنى ولا تنطفئ شعلته ولا تغيب شمسه لكنّه يُمنى بأكبر الخسارات حين يترجّل فارسٌ من فرسانه الكبار، وينطفئ نجم من نجومه المتوهّجة، فكيف إذا كان البدر المترجّل شاعراً من كبار الشعراء الذين يخضع لهم الشعر في كلماته ومعانيه وقوافيه، وتنصاع له القصائد طائعة اعترافاً بقدرته الفائقة في ميدان الشعر والإبداع، وملكاته الفذّة في صياغة المعاني الجميلة التي يرتقي بها الإنسان إلى ذُرى الإنسانية العالية والتي كان الفقيد الكبير واحداً من فرسانها الكبار، ومغواراً من مغاوير الشعر وأرباب القصيد.
يا بدرنا الحاضرْ قصايدكْ تنذاعْ
ما دامتْ الدنيا وقدركْ مبجَّلْ
لكْ معْ مسيرْ الشمسْ غيبهْ ومطلاعْ
ولكْ عندنا قدرْ الأغرّ المحجَّلْ
وإمعاناً من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في رسم الحضور الكبير لهذا الراحل الكبير يخاطبه على أنه حاضر لا يغيب فيقول له: إنَّ ذكراك الخالدة في قلوبنا لن تزول وستظل قصائدك على كل شفةٍ ولسانٍ ما دامت الحياة على هذه الأرض التي تحتفظ بذكراك الطيبة كشاعر مبجّل وأميرٍ متواضعٍ قريبٍ بقلبه وإحساسه من الناس الذين أحبوا شعره وترنّموا به في أغنياتهم وخلواتهم.
فالراحل الكبير شاعر يعرف سرّ الخلود في الوجدان حين كان يكتب أروع القصائد التي تصلح للغناء بحيث يضمن بقاءها في أعماق القلب الإنساني، فهو مثل الشّمس في مسيرها لا تغيب إلا لكي تجدّد الطلوع في دورة الحياة المتجددة، ولأنّ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد من أكبر عشّاق الخيل بل هو عاشقها الأكبر في هذا العصر، فإنّ للراحل عنده قدر الخيل الأغرّ المحجّل الذي هو من أكرم الخيل وأكثرها أصالة ومقداراً.
والناسْ في الأقدارْ معروفهْ أنواعْ
وإنتهْ الذهبْ والمنزلهْ دومْ الأولْ
فيكْ التواضعْ معْ رفيعاتْ الأطباعْ
وعليكْ منْ لهْ حاجهْ لفضلْ عوَّلْ
ولأنّ الرثاء هو ذكر مناقب الفقيد، فإنّ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يذكر في هذا المقطع بعض مناقب الفقيد الكبير الذي هو صاحب المقام الأول بين الكبار، فإذا كانت معادن الناس أنواعاً متعدّدة ومختلفة، فإنّ معدن الفقيد الكبير هو الذهب الذي هو سيّد المعادن وعنوان القيمة والتميز، وهو في المكانة الأولى بين مقامات الكبار، فهو الأمير الذي جمع بين التواضع والطباع الرفيعة العالية مما يجعله ملاذاً لكلّ من يقصد أصحاب النخوة والطيب من أصحاب الحاجات ممن يعوّلون على هذا الفقيد الكبير في أخلاقه ومقامه.
إنْ غابْ زولكْ لكْ ضيا الشعرْ مسطاعْ
يا المبدعْ اللي بعدما فازْ حوَّلْ
ثم كانت هذه الخاتمة الرائعة في هذا البيت البديع الذي يؤكد على أنّ غياب طيف الشاعر الفقيد الكبير لا يعني ذهاب ذِكره، فإنّ ضوء الشعر الرائع الذي تركه خلفه سيظل ساطعاً يحكي سيرة هذا المبدع الذي ترجّل وهو في قمة الإبداع وغابت شمسه التي كان قد تنبأ بغيابها قبل مدة ليست قليلة حين قال:
كنْ السنين استكثرت طول عرسي
سبعين غيري ما حصّله بعضها
ولابدها يا سعود ما تغيب شمسي
ذي سنّةٍ ربّ الخلايق فرضها
رحم الله فقيد العرب الكبير الأمير بدر بن عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود، وأطال الله في عمر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نموذج الفروسية الأخلاقية والوفاء النادر.