آخبار عاجل

عمر الخيام .. لعنة الرباعيات! محمد مصطفى الخياط

18 - 05 - 2024 9:30 146

 

 

بينما كان بنيامين يجلس منتظرًا مقابلة السيد جمال الدين الأفغاني (1838- 1897)، إذ دخلت فتاة في نحو العشرين من العمر، كانت مزيجًا فريدًا بين سحر الشرق وغموضه ونزق الغرب وجنونه، وشت ملامحها بنقاء السلالة وارتفاع المكانة، ودلت ملابسها على ذوق رفيع، وما أن همت لمقابلة جمال الدين، حتى رمت بنيامين بسهم من عينيها أتبعته بنصف ابتسامة، ثم خاطبته (قد يتقاطع طريقانا)، ومضت تاركة إياه واجمًا.

ورث بنيامين عن والديه شغفهما بعمر الخيام، لذا قرر السفر لمقابلة الأفغاني بعد ما عرف من أحد أصدقاء جده امتلاكه مخطوط نادر للرباعيات بخط الخيام.

... عندما قبض رجل الشرطة على الخيام بتهمتي الزندقة وممارسة الكيمياء، ناقشه القاضي في بعض أفكاره، وقبل أن يصرفه أهداه كاغدًا (رزمة) من ورق سمرقند مغلفة بجلد فخم منقوش، كي يدون فيها رباعياته.

فرح عمر بالمخطوط وحرص على إخفاءه عن العيون.. يقلق إن غاب عنه، فإذا ما عاد إلى بيته قبله وضمه إلى صدره وراح يدون رباعياته؛ (غدٌ بظـــهر الغـــيب واليوم لــي/ وكم يخيب الظـن في المقــــبل).

كان شاعرًا وفيلسوفًا وعالم فلك، أحب (جهان) وأحبته، إلا أنهما كانا على طرفي نقيض؛ تفرغ عمر للعلم ونأى بنفسه عن السلطة وأصحابها، وتفرغت هي للشعر والسياسة فقربتها زوجة السلطان، وعبثًا ضاعت محاولاته لإبعادها عن البلاط لينتهي الأمر بمقتلها خلال الصزاع على الحكم، وكان من حسن حظه أن أرسلوا ضابطًا يدعى (ورطان) ليقتله، وكان محبًا لعمر فأخبره بالمكيدة وهربا معًا إلى مدينة مرو.

واصل عمر تدوين رباعياته وإخفاء مخطوطه، حتى جاء يوم عاد فيه إلى بيته فوجد ورطان قتيلاً وإلى جواره رسالة بخط حسن الصباح؛ مؤسس فرقة الحشاشين، يخبره فيها وصول مخطوطه إلى القلعة، ومنذ ذلك الحين بقي في القلعة لنحو مائتي عام إلى أن اجتاحها هولاكو بجيشه فأباد من فيها وأحرق الكتب، إلا مجموعة نادرة كان المخطوط من بينها، وظل ينتقل من يد لأخرى حتى استقر عند الأفغاني.

لم تلبث سعادة بنيامين بعثوره على رضا ميرزا، تلميذ الأفغاني الذي استودعه نسخة المخطوط، أن تبددت، ففي اليوم التالي المقرر لاستلامه اغتال ميرزا شاه إيران وقُبض عليه، وصار كل من تعامل معه محل اتهام، فتعقبته الشرطة من شارع إلى شارع، حتى تمكن من الهرب خارج إيران، ولم يستطع العودة لمواصلة البحث إلا بعد قيام الثورة، وهناك تقاطعت الطرق والتقى الفتاة التي سبق وقابلها عند الأفغاني فنشأت بينهما قصة حب.

في سلاسة يأخذنا الكاتب والمفكر اللبناني الأصل أمين عام الأكاديمية الفرنسية، أمين معلوف، في روايته (سمرقند) مستعرضًا حياة الخيام وجهود بنيامين للعثور على المخطوط، رحلة كان فيها المخطوط هو بطل الرواية الجامع بين كافة الشخصيات الرئيسية والهامشية؛ الخيام ومحبوبته جهان، والد بنيامين ووالدته، وكذلك بين بنيامين وزوجته.

الغريب في الأمر، اختفاء الزوجة/الحبيبة في الحالات الثلاث في ظروف مفاجأة وغامضة.

لم تكن الفتاة التي قابلها بنيامين عند الأفغاني وأحبها وارتبط بها سوى الأميرة شيرين، حفيدة الشاه، المولعة بالخيام أيضًا، تُحضر المخطوط وتجلس مع بنيامين على ظهر السفينة (تيتانك) يقرأن أشعاره ويتأملان معانيه، إلى أن وقعت الكارثة وتحطمت تيتانك إثر ارتطامها بجبل جليدي.

نجا بنيامين وزوجته وغرق المخطوط، فحزنا عليه حزنًا شديدًا، ثم ما لبث أن فقد شيرين في فوضى محاولات الإنقاذ ولم يعثر لها على أثر، وكأني أسمع بنيامين يردد خلف الخيام (القلب قد أضناه عشق الجمال/ والصدر قد ضاق بما لا يقال).

غريب أمر الرباعيات.. حتى رامي الذي ترجمها حُبًا في أم كلثوم، حُرم منها.. أهي لعنة الرباعيات!!، ربما..!.

 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved