آخبار عاجل

الكاتب ودروس قُرائهِ.. بقلم: محمد مصطفى الخياط

08 - 06 - 2024 11:21 97

لا تتوقف دروس القراء للكاتب ما طال عهده بالكتابة، فمع كل تعقيب يرسله قاريء تُفتح بوابات جديدة على فضاءات معرفة أرحب واوسع من نوافذه الضيقة.
صديق عزيز يحرص على قراءة ما ينشر من مقالات ولا يبخل بتعقيبات تُطعمها ثقافة فرنسية رفيعة، عرفت من خلاله كتاب (الأمير الصغير)، للفرنسي أنطوان إكزوبيري (1900 – 1944)، أكثر من ثمانين عامًا مرت على نشره وما زال يحتل واجهات المكتبات العالمية. كتاب يجد فيه الطفل قصصًا شيقة، ويتسلى به الشاب في أوقات فراغه، ويتأمل فيه الكهل منابع الحكمة. 
هذه المرة لفت انتباهي إلى كتاب (حكايات من لافونتين)، تأليف جان دي لافونتين (1621-1695)، كان قد قرأه بحكم ثقافته في لغته الأصلية، قرأته في نسخته العربية بقلم المترجم والكاتب والشاعر الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا (1919- 1994)، ومن أهم كتاباته رواية (البحث عن وليد مسعود)، وفيها تشابكت السيرة الذاتية مع المأساة الفلسطينية في البحث عن وطن وعن هوية.
يشير لافونتين في مقدمة كتابه تأثره بحكايات الكاتب اليوناني إيسوب (620-564 ق.م.)؛ (الثعلب والعنب، الغراب والثعلب)، إلا أنه صاغها شعرًا وزاد في الحكايات تفصيلاً وعددًا، فضلاً عن ذكر الحكمة من سردها.
حكايات أقرب إلى حكايات (كليلة ودمنة)؛ لمؤلفها الفيلسوف الهندي بيدبا، منها إلى مُؤَلَفْ أبو عثمان عمرو بن بحر البصري (776-868 م)، المعروف بالجاحظ، في كتابه (الحيوان)، الذي وضع فيه من صفات الطير والحيوان ما شاء له الله أن يضع، مع ربط لطيف بعادات وتقاليد وأحوال العرب معها.
ففي قصة الجندب (الجرادة) والنملة، يحكي إيسوب أن الجندب الكسول قصد النملة في مطلع فصل الشتاء وسألها أن تعطيه بعضًا من حبوب القمح التي أدخرتها في الصيف، فسألته النملة: وماذا كنت تفعل طوال الفترة الماضية، فأجاب: كنت أغني، فردت عليه، إذا فلترقص الآن، فتعلم الجندب أن الكسل لا ينفع صاحبه.
قال الثعلب للغراب يومًا وكان يقف على غصن شجرة وبمنقاره قرص جبن شهي، "يا أمير الغربان لم نر وجهًا أجمل من محياك، فكيف بصوتك"، فما كان من الغراب إلا أن انتفش غرورًا، وفتح منقاره ليغني، فسقط قرص الجبن، فالتقطه الثعلب (اعلم يا سيدي أن المتملقين يعيشون على الذين يبلعون مديحهم.. وليس قرص الجبن بالثمن الباهظ لقاء نصيحة كهذه)، فخجل الغراب من سذاجته، وأقسم ألا يُلدغ مرة أخرى.
في المقابل حول لافونتين هذه القصص إلى قصائد شعرية، وترجمها جبرا إلى العربية دون التقيد بقالبها الشعري فبدت نثرًا يقابل نثر إيسوب، يحمل المعنى والمقصد، ويفتقد جزالة الشعر وفنونه. وذلك خلاف ما فعل الشاعر الكبير أحمد رامي (1892-1981)، في رباعيات الخيام، حين ترجمها من الفارسية إلى العربية محافظًا على قالبها الشعري، فجاءت بذات صدى المعاني الظاهر منها والباطن.
وكذلك فعل الشاعر والمترجم الصاوي شعلان (1902-1982)، حين ترجم قصائد الشاعر والفيلسوف الصوفي محمد إقبال (1877-1938)، ولعل أشهرها تداولاً، قصيدة حديث الروح، وذلك بعد أن غنتها وشدت بها كوكب الشرق؛ أم كلثوم، فجاءت مرآة انعكست فيها تباريح أنات وعذابات نفس الشاعر؛ (... وقال البدرُ هذا قلبُ شاكٍ/ يواصلُ شدوهُ عندَ المساءِ،، شكوايَ أمْ نجْوايَ في هذا الدُّجى/ ونجومُ ليليِ حُسّدي أمْ عُوّدي،، أمْسَيتُ في الماضِي أعيشُ كأنَّما/ قَطَعَ الزمانُ طريقَ أمْسِي عنْ غدي).
وسواء أكانت شكوى أم نجوى فاح مسكُها من قلب محمد إقبال المشتعل شوقًا وشغفًا، فلعلك تتفق معي سيدي القاريء أن أطيب مسك الشعر من أشد الوجد ألـمًا.. وفي انتظار قاريء فاضل آخر يرشد الكاتب إلى درس جديد!! 


 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved