التعليم الخاص هو نافذة مهمة لتطوير البحث العلمي وتقديم الخبرات للمجتمع والاصل في التعليم تاريخيا انه خاص، أي يدفع الطلبة مقابل حصولهم على المعرفة الا في حالات قليلة ولكن مع زيادة السكان وارتفاع الحاجة للمهارات العليا دخلت الدول على خط انشاء الجامعات وفي كثير من البلدان النامية ومنها العراق كان التعليم الحكومي هو السائد وقد عرف برصانته ومهنيته لعدم وجود علاقة منفعية مباشرة بين الطالب والجامعة ولذلك كانت الشهادة الجامعية العراقية محل احترام وتقدير.
بعد العام 2003 تسيد التوجه الى انشاء الجامعات والكليات الجامعة الاهلية، وفي الفترة بين 2014- 2019 شهد العراق زيادة هائلة في منح الاجازات للجامعات الاهلية وان لم تخني الذاكرة لم تمنح الحكومة الحالية الا إجازة تأسيس واحدة لجامعة أهلية، وفي مقابل هذه الزيادة تراجعت ضوابط قبول الطلبة والمعدلات المؤهلة للتخصصات العلمية الخطيرة مثل الطب وطب الاسنان والصيدلة، كما تفتقد معظم الجامعات للبنى التحتية لمثل هذه التخصصات من مختبرات وقاعات تشريح وغيرها.
اما في التخصصات الإنسانية فالفوضى هي السائدة إذ تراجعت المعدلات المقبولة الى مستويات متدنية فضلا عن عدم التزام الطلبة بالحضور وغياب الصرامة العلمية وكثرة المقبولين في الدراسة لأن الهم الأول للجامعة الخاصة هو الربح ولذلك تعمل على تشجيع الطلاب للدراسة فيها عبر التساهل في منح النجاح للجميع تقريبا.
ونظرا لأهمية التخصصات الطبية أرى ضرورة التشدد في منح إجازة تأسيس اقسام الطب العام وطب الاسنان والصيدلة والتمريض وإلزام الجامعات الاهلية بتوفير كافة المستلزمات العلمية وتقليص اعداد المقبولين خاصة ان بناء المستشفيات قد توقف لفترة طويلة ومنذ تشكيل حكومة السوداني انصب الاهتمام على استكمال ابنية المستشفيات المتوقفة وهي لن تتمكن من استيعاب كل الخريجين في هذه التخصصات، إذ يقول رئيس الوزراء انه وجد 100 طبيب أسنان في احدى المستشفيات، وشخصيا اطلعت في احدى النواحي التي فيها مستوصف واحد على جامعة أهلية فيها 2000 طالب بكلية طب الاسنان وتخرج سنويا 350 – 400 طبيب اسنان بينما يضم قسم التخدير 3000 طالب، فما بالك ببقية الاقضية والمحافظات؟!، وطلب وزير الصحة من وزارة المالية تعيين 29 ألف طبيب في 2022-2023، والاستمرار على هذا الحال يعني تخرج 50 ألف طبيب سنويا وتأخير تعيينهم سيؤدي الى تراجع مهاراتهم الضعيفة أصلا لأن الطب يعتمد على الممارسة.
صار ضروريا النظر بحرص الى هذه المشكلة الكبيرة وإيقاف جشع مؤسسي الجامعات الاهلية ومن يقف وراءهم ووضع ضوابط مشددة لفتح الجامعات بشكل عام والتخصصات الطبية بشكل خاص وأرى ان يحصر فتح التخصصات الطبية بالجامعات الحكومية وإيقاف هذه المهزلة عاجلا وليس آجلا، فارواح المواطنين واموالهم بحاجة للحماية ومستقبل ابنائنا الشباب لابد من حمايته وعدم تركهم عرضة لاغواء الجامعات الاهلية الضعيفة.