لا تزال أفلام نجيب الريحاني قادرة على انتزاع الضحكات ورسم البسمات على الوجوه، في فيلم (سلامة في خير)، نزل سلامة؛ الموظف بأحد محلات بيع الأقمشة، في أحد الفنادق ونظرًا للشبه الكبير بينه وبين أمير يُنتظر وصوله للإقامة في ذات الفندق مع أسرته وحاشيته، يحدث خلط، وتتعامل معه إدارة الفندق على أنه الأمير، وتتوالى الأحداث الكوميدية.
شاهدت الفيلم الذي يرجع تاريخ انتاجه إلى عام 1937 عدة مرات من قبل، ووجدتني أتوقف هذه المرة أمام المشاهد المصورة داخل المحل بمساحته الفسيحة وتنوع معروضاته وكثرة زبائنه وتفاوت طبقاتهم الاجتماعية.
انتشرت في ذلك الوقت محلات وسلاسل تجارية تتنوع معروضاتها وتتوزع في محلات تميزت بطابع معماري فريد يتكون كل منها من عدة طوابق؛ هذا للأدوات والأجهزة المنزلية، وذاك لأحدث موديلات الملابس، وذلك للعطور الشرقية والغربية البصمة، وغيرها من معروضات تُقدم من خلال خدمة متميزة شعارها "الزبون دائمًا على حق".
يذكر الكاتب عمر طاهر في كتابه (صنايعية مصر) أن سمعان صيدناوي كان يتفقد محلاته عندما لمح سيدة تتجه غاضبة إلى باب الخروج بسبب معاملة البائع لها كونها جاءت تشتري نصف متر قماش لا يزيد سعره عن 3 تعريفة، فما كان منه إلا أن وقف مكان البائع وأحضر لها ما تريده، وبمهارته لفت انتباهها إلى أصناف أخرى وردت حديثًا وأخرى تتمتع بخصومات، فما كان من السيدة إلا أن خرجت وهي تحمل مشتريات بأكثر من عشرة جنيهات، كان سمعان (بَيَاع) بالفطرة، يلف للزبون مع كل متر قماش فدان خيال يجعله يرتبط بالمحل علاوة على دفعه ثمن مشترياته سعيدًا.
إلى جانب سمعان، كان هناك أجانب آخرون من أصول عربية وأوربية وجدوا في مصر أرضًا خصبة للاستثمار في العديد من القطاعات؛ الصحافة والصناعة، والإنشاءات، والطب، وغيرها.
أسس مورينيو شيكوريل سلسلة محلاته عام 1887، وبعده بربع قرن افتتح صيدناوي باكورة محلاته عام 1913، وفي عام 1920 تحول المقر الرئيسي المصمم على الطراز الفرنسى من متجر النمساوي أدولف أوروزدي إلى "عمر أفندي"، أضف إلى ذلك سلسلة محلات داوود عدس.
في الجانب الآخر من المتوسط، وتحديدًا في العاصمة الإسبانية مدريد، أطلق رامون آريثيس وسيزار جونزاليز عام 1940 سلسلة محلات (الكورتا إنجليز El Corte Inglés)، وتعني بالعربية "الركن الإنجليزي"، كمتجر لبيع وتوزيع مستلزمات الأسرة من العطور والمكياج والأحذية والحقائب والملابس والمجوهرات، عامًا بعد عام توسعت الاستثمارات وانتشرت الفروع في مختلف المدن الإسبانية. صار بتطوره الدائم مقصد السائحين والزوار.
منذ زرت إسبانيا أول مرة قبل عشرين عامان وأنا أحرص على زيارته، ولم لا وقد وجدت فيه دورا كاملا لبيع أحدث الإصدارات من الروايات والكتب العالمية تتراص في أناقة وبهاء على مساحة شاسعة وتزاحم غيرها من المعروضات، أتجول فيما بينها.. أتأمل نقوش ورسوم أغلفتها، وأقلب صفحات كتبها -حتى ولو كانت باللغة الإسبانية التي لا أعرف منها سوى تحيتي الصباح والمساء- علاقة روحية تربطنا بالكتب.
(الكورتا إنجليز) وعمر أفندي نموذجان سارا في خطين متوازيين من ذات خط البداية، ولأن الأمر لا يتعلق فقط بالبدايات بل بالقدرة على اكتشاف السوق مع التخطيط بعيد المدى، مع القدرة على مناورة التحديات، من هنا تختلف النهايات.
واصل (الكورتا إنجليز) نجاحاته وتعثر عمر أفندي وصيدناوي وعدس وشيكوريل في غيابات الترهل والجمود وغياب الانتماء ومعايير أداء من فئة (كله تمام).. كل هذا ليظل (سلامة في خير)، وخير في سلامة !!.