يمثل الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ضوءا مميزا بين خطباء المنابر والدعاة الإسلاميين بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم، إذ تبنى الشيخ الراحل رحمه الله منهجا عقلانيا وسطيا مشبعا بالمعرفة والعلم والكلمة الطيبة والثقافة العالية والموهبة الشعرية الفذة، وكان خير مثال للخطيب الذي يحترم المنبر المقدس وتنوع الآراء وكثرة الاجتهادات الى جانب العطف على كل انسان فاتته فرصة الاطلاع على الحقائق فكان صوتا حنونا جمع العراقيين ويستقطبهم من كل الاتجاهات، وشكلت خطبه واحة للراحة النفسية والمتعة الثقافية والخشوع الديني والعمق الفكري لا يمكن للمستمع إلا أن يتوقف عندها فيخرج بكنز وفير من المعلومات وثقة أكبر بالدين الاسلامي العظيم، واطمئنان عميق الى المستقبل على أمل أن يكون منهج الشيخ الوائلي هو السائد في قادم الأيام.
كل من يعتقد بان الإسلام هو دين الرحمة الإلهية والتراحم الإنساني سيجد في الشيخ الوائلي مثالا ناصعا لما يعتقد، كما سيجد فيه الصورة البهية لرجل الدين الذي يمكن للمسلمين تقديمه كتعبير صادق عن روح الإسلام والرد به على كل من يتبرص بديننا الحنيف لنقول لهم، هذا هو الإسلام القائم على الاعتدال والجدال بالحق وتقبل الآراء، والرافض للعنف والداعي الى العفو ونبذ الأحقاد والضغائن، فخلال سنوات طويلة من العمل التوعوي لم يستخدم الشيخ الوائلي منهج التحريض والتخوين والتكفير فكان حالة مختلفة عما ساد من خطابات.
ورغم المعاناة الشخصية والعائلية والتهجير والنفي والملاحقة التي تعرض لها الشيخ الوائلي من النظام البعثي إلا إنه لم يستخدم يوما كلمة قبيحة او نابية حتى في حق ظالميه وخصومه وتجنب خلط الأوراق وتعميم الاتهامات فكان نموذجا حقيقيا للعالم الذي يحرص على وضع الكلام في مكانه المناسب وحدوده الواقعية، ونموذجا للإنسان الحريص على وحدة المجتمع فلا يطلق العبارات التي يمكن ان يستغلها أي عنيف أو موتور للانتقام ولا يختار من التاريخ والتراث إلا ما هو نافع في تطوير الوعي وكشف الحقائق المثبتة.
إن نموذج الشيخ الوائلي يجب ان يتحول الى مدرسة لتجاوز الخطب التحريضية التي تبث الكراهية والعنف من كل الاتجاهات والمذاهب الإسلامية الكريمة، وكلما سمعت خطبة من التي تحاصرنا بالصراخ والتهديد والوعيد تذكرت الشيخ الوائلي ودعوت له بالرحمة وتذكرت إنه انتقل الى رحمة الله بعد أيام قليلة من سقوط النظام فذهب الى خالقه وقد رأي بعينيه مصير الجلادين والطغاة الذين ظلموه وهجروه من وطنه، فتوفي في بغداد التي عشقها دائما وبث شوقه إليها في كل مناسبة، وقد أعفاه قضاء الله سبحانه وتعالى من رؤية البشاعات والفتن اللاحقة التي رفضها طوال حياته وحذر منها.
لم يكن اعتدال الشيخ الوائلي وعقلانيته مجرد مزاج شخصي بل هما نتاج جهد فكري وعملي إذ أصر على دراسة الفقه الإسلامي في الازهر الشريف علاوة على الدراسة الطويلة في حوزات النجف الأشرف، كما واصل الدرس حتى حصل على الدكتوراه في وقت كان قلة من رجال الدين والخطابة يحصلون عليها، وتعرض رحمه الله بالدرس والنقد والتحقيق للكثير من المشاكل الحساسة دينيا واجتماعيا وسياسيا وتعامل معها بمبضع الجراح العالم الذي يريد لمجتمعه كله النجاة خلافا للأصوات التي تقسم الناس وتحرض بعضهم على بعض.
كانت مبادرة افتتاح متحف للشيخ الوائلي في منزله قبل أيام توجه إيجابي من قبل أمانة بغداد التي استملكت منزل الشيخ الراحل من أسرته عام 2014 وهو المنزل الذي سكنه الوائلي من عام 1960 الى عام 1979 حيث غادر العراق الى المنفى وقام النظام البعثي عام 1981 بمصادرة البيت بعد اعدام نجل الشيخ الوائلي الشهيد محمد حسين، ونتمنى ان يكون هذا المتحف دليلا على خلود الذكر الطيب للعلماء العاملين بالحق وعامل تشجيع للخطباء الشبان على تعميق ثقافتهم وتطوير اساليبهم بما يدفع المجتمع الى الارتقاء والسلام.
وكان حضور السيد محمد شياع السوداني في افتتاح المتحف دليلا على دعم الحكومة العراقية لخطاب الاعتدال والوعي الديني الذي يتبناه السوداني شخصيا ويدعو باستمرار الى تعزيزه باعتباره طريق الوحدة والسلام للشعب العراقي.