كنّا في هدوء وسكينة في أحد لوبيات أحد الفنادق المعروفة بجنيف بسويسرا وإذا أحد المستخدمين يحمل صينية بها العديد من الكؤوس الفارغة الزجاجية، وكان كما يبدو من مظهره وسنه أنه حديث العهد بالمهمة التي أُسندت إليه، وإذا به يتعثر وتقع الكؤوس الزجاجية في مدخل الفندق، وتتهشم فما كان منه إلا أن يداري ما حدث له رغم إرادته، وإذا أحد المسؤولين يواسيه، وبحركة سريعة وخفة تصرف دون إزعاج أو لوم أو تقريع للفتى، الكل يقوم بواجبه من تنظيف وإزالة كل ما تناثر من زجاج في بهو الفندق، وكأن كل هؤلاء الناس ينتظرون أن تقع مثل هذه الحادثة، ولم نسمع نحن زبائن هذا الفندق لومًا أو تقريعًا للفتى، واختفى كما يبدو لتقوم الإدارة المسؤولة بالاستفسار منه لملابسات هذا الحادث الذي قد يتكرر لموظف مبتدئ لم تصقله تجارب الحياة، وتجارب المهمة المكلف بها، وطافت بذاكرتي أحداث وقعت لنا ونحن صبية في العطلة الصيفية للمدارس كان الآباء يشجعوننا للعمل، بغية اكتساب الخبرة والتجربة الحياتية، ولكنهم أشفقوا علينا من أن نواجه لوم وتقريع من نعمل معهم من الكبار إن نحن أخطأنا من غير قصد؛ فقد كان أسلوب التعليم الحياتي يختلف عندنا عن ما رأيته في هذا الحادث الذي تعرض له الفتى في مجتمع غربي طريقة التعليم العملي عندهم تختلف عنا، رغم أن الهدف واحد وهو الأخذ بيد من يخطئ وإن اختلفت الأساليب.
نحتاج فعلاً أن يعذر بعضنا بعضًا، وأن نأخذ بيد من يخطئ من غير قصد، فنلتمس له الأعذار، ونوجّهه إلى الطريق السوي، رغم أن ذلك لا يمنع إطلاقًا من حدوث أخطاء غير مقصودة، وإن كان لا بد من إيجاد الوسيلة الأنجح؛ لتفادي وقوع مثل هذه الأخطاء غير المقصودة.
أحسب أن الدرس الذي نتعلمه، والذي علينا نقله إلى مجتمعاتنا هو أن نتفادى الإحراج لكل الأطراف، وأن نسعى للتوجيه الإنساني دون الحرج والفضيحة التي تظل عالقة في ذهن من أخطأ، وإن كان البعض يرى أننا نتعلم من أخطائنا، وجل من لا يخطئ.
إن الشعور بوقوعنا في الأخطاء، وإن كان محمودًا، إلا أن الإفراط في الخوف يجعلنا لا نتقدم خطوات إلى الأمام، ويظل هاجس الخوف ملازمًا لنا في كل أعمالنا، وقد يبالغ البعض في هذا الشعور، ولا نقدم على عمل ربما يفيد مجتمعنا، ويزرع الثقة فينا، ونتعاون مع من هم أكبر منا سنًا وأكثر خبرة، فنستفيد ونفيد مجتمعنا إلى كل ما يدخل السرور إلى أنفسنا، ويزرع الثقة بأجيالنا الذين هم بحاجة طبعًا للتوجيه والرعاية، وأن نتعلم من أخطائنا، ونزرع الثقة في أجيالنا وأن ينظروا إلينا من جهة الإصلاح والبناء لا هدم الشخصية وإضعافها وتقريعها بحيث يتغلب الجانب السلبي على الجانب الإيجابي، ويظل الشعور بالخطأ ملازمًا لأعمال الأبناء فلا نتقدم كثيرًا لخدمة مجتمعنا ككل...
نحتاج فعلاً في حياتنا لأن نتعلم من أخطائنا صغرت هذه الأخطاء، أو كبرت ونحتاج طبعاً لرجال ونساء يفهمون كيف يحولون الإحراج إلى تجربة عملية قد يلازمها الخطأ غير المقصود، وأن المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار، وإن من يبني الأوطان هم هؤلاء الشباب الذين يمرون في الحياة بجوانبها المختلفة وبالأخطاء غير المقصودة، والحرص على إنجاز الأعمال بكل ثقة وإتقان، ويجدون من حولهم من يأخذ بأيديهم، ويرشدهم إلى طريق الصواب.
تمنيت أن يكون هذا الحادث الذي أتكلم عنه في هذا المقال أن يكون مصوراً كي نستفيد منه في حياتنا العملية، غير أن أملي أن يتفهم جيلنا أهمية وضرورة أن نوجه النصح والإرشاد لأجيالنا، ونتجنب اللوم والتقريع لهم غير الإيجابي، والمطلوب هو التقويم وإسداء النصح، وأن نعمل معًا لتلافي الأخطاء، ونضرب الأمثلة من مجتمعنا أيضًا لكل العناصر الإيجابية التي تبني ولا تهدم وتثيب لكل صنيع إيجابي من أجل الخير للجميع، فالأخطاء غير المقصودة يمكن تلافيها من خلال العمل الإيجابي المبني على المحبة والتوافق والوئام، وقد وجدت في حياتي الكثير من الرجال والنساء، في مجتمعاتنا العربية الذين يعاملوننا بكل أريحية وتفاني وقلوبهم علينا ينشدون مصلحتنا وتقويم شخصيتنا، فجزاهم الله خيرًا لكل ما تعلمناه منهم، ونفيد أجيالنا بما تعلمنا منهم، فلمّا غرسوا فينا الثقة فنحن بحاجة أن نزرع الثقة في أجيالنا.