آخبار عاجل

القوة الناعمة .. ويظل الإنسان .. بقلم: د محمد مصطفى الخياط

17 - 08 - 2024 2:28 151

 


خاضت أمريكا والاتحاد السوفيتي الحرب العالمية الثانية يدًا بيد، وكتفًا بكتف تحت راية الحلفاء، فما أن وضعت الحرب أوزارها حتى شبت بينهما حرب باردة، أظهرت كلا الدولتين عضلاتهما العلمية عبر محورين رئيسيين؛ سباق التسلح وغزو الفضاء. 
على نهج الكاوبوي، الرشيق والمغامر، زار نائب الرئيس الأمريكي -ريتشارد نيكسون- الاتحاد السوفيتي نهاية عام 1959، مصطحبًا معه آخر منتجات الإبهار الأمريكية؛ من ساندويتش الهامبرجر إلى أحدث المنتجات الكهربائية والإليكترونية ولعب الأطفال وكاميرات التصوير، وأدوات التجميل.
دارت رؤوس المواطنين السوفيت وهم يجوبون أركان المعرض الفسيح، اكتشفوا أن هناك عالـمًا آخر يختلف عن ذلك الذي حشى به كارل ماركس عقولهم، وذلك الذي قاد من أجله فلاديمير لينين الثورة الحمراء. مؤلـم أن تكتشف في الوقت الضائع أنك أمضيت العمر في المكان الخطأ. 
كان ذلك أول مسامير نعش تفكك الاتحاد السوفيتي. لم توجه أمريكا طلقة بندقية نحو الدب الروسي، ولا صوبت دانة مدفع ثقيل، ولا طائرة مسيرة من تلك التي تصطاد بها خصومها في البر والبحر، اكتفت بلكمات قوتها الناعمة. غصة حلق الحسرة أقوى من نار البارود.
عندما غزا نابليون بونابرت مصر، كان إلى جوار كل بارجة حربية سفينة تحمل العلماء والفنانين، ربما كان يعلم أنه لن يستطيع البقاء بقواته طويلاً -فغريمه البريطاني يطارده في كل مكان- لذا؛ قرر اصطحاب قوته الناعمة معه، وعندما أفِلَتْ جيوشه صوب ثكناتها في باريس، حملت معها من رموز الحضارة الفرعونية ما شاء لها الله أن تحمل، تاركة خلفها دوي التقدم العلمي، وصدمة اكتشاف المصريين أنهم يعيشون في كهف خارج الزمان. من هنا، أيقن محمد علي ضرورة اتخاذ قرار؛ إما العلم والتقدم، أو الجهل والتخلف. 
تجاوز الشيخ رفاعة الطهطاوي دوره في إمامة البعثة المسافرة بحرًا إلى باريس في الصلاة وإفتائهم في أمور دينهم ودنياهم، وكان كما وصفه الدكتور محمد عمارة (أول عين عربية رأت الغرب)، فأخرج كتابه (تخليص الإبريز في تلخيص باريز). يبدو أنه لم يكن معجبًا بالجبن الفرنسي؟، لا أظن أنه كتب عنه!
كان أهم ما ميّز الطهطاوي قدرته على إقناع الباشا الكبير بأفكاره من ناحية، وبراعته في تمصير أدوات الثقافة الفرنسية، من ناحية أخرى.
في حفل السفارة الفرنسية بالقاهرة بالعيد الوطني لفرنسا، تذكرت مقولة الرئيس الفرنسي شارل ديجول (كيف أحكم شعبًا يتناول أكثر من مائتي نوع من الجبن)، في إشارة إلى أن لا شيء يُرضي الفرنسيين، ورفضه الترشح لفترة رئاسية ثانية. 
ما الذي نجده في احتفالات السفارات وفي السفر والتجوال في بلاد الله للعمل وللدراسة وللسياحة ولحضور المؤتمرات؛ الآيس كريم السويدي، الشوكولاتة البلجيكية، الموز بالشطة الإندونيسية، قطع الدجاج واللحم المتبل بالمسالا الهندية، الحمص البيروتي، الكبيبة الشامية، التنورة الأسكتلندية والجوارب الطويلة المزركشة مع موسيقى القرب، الساعات السويسرية، قطع الحلويات التركية على وقع أنغام المولوية ودوران دراويش مولانا جلال الدين الرومي.
أمان يا للي أمان، من قال وماذا قصد؟، مع كل دورة درويش تحلق رويدًا رويدًا. تخف. تشف، حتى تتلاشى، وما بين استوائك وارتقائك شهقة قانون، أو زفرة ناي، وربما رجفة كمان تتداخل مع ارتعاش عود مشغوف بحروف النور، تخطو من غير سيقان، وتطير بلا أجنحة، من الهدوء إلى الجلجلة.. ومن النسيم إلى العاصفة.. تتناجى عذابات فريد الدين العطار مع أنات شمس الدين التبريزي. ويظل الزخم الإنساني هو الأبقى.
يا سيدتي.. ليست الصين وحدها التي تتغنى بقوتها الناعمة.. جميعنا يعزف على أوتارها.. 
ربما تستطيع القوة الخشنة أن تحتل الأرض، لكنها أبدًا لن تستطيع أن تحتل العقل، وحدها القوة الناعمة تستطيع..


 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved