تعرض رواية شآبيب للدكتور أحمد خالد توفيق صور مختلفة لمآسي المهاجرين المثقلين بالخيبات وحطام الأحلام وأحزان الوطن الأم. لا تعرف الانكسارات والإحباطات حدودًا، فالمهاجر هو المهاجر سواء كان يسكن إحدى ضواحي المدن الأوربية كالنرويج، أو حارة فقيرة بدولة إفريقية مثل ليبيريا. دولتان تمتد سواحلهما بطول البلاد. تطل مونروفيا بوجهها الإفريقي الملامح على ساحل المحيط الأطلنطي الممتد شمالاً حتى سواحل الدول الإسكندنافية بثلجها وصقيعها، حيث يطلق عليه البحر النرويجي. ذات المياه المالحة. وذات الكراهية للعرب.
لا تكف رياح الكراهية ضد العرب؛ مسلمين كانوا أم مسيحيين، عن الهبوب. تتلقف آذان الموتورين والمتطرفين دعوات التعصب العرقي فيترجمونها إلى أعمال عدائية وعدوانية تجاه مواطنين، ولدوا وتربوا معهم في ذات البلد وتساووا معهم في ذات الحقوق والواجبات.
الأسرة التي هاجرت من تونس، وتلك التي غادرت من مصر، وثالثة تركت الشام خلفها، ورابعة، وخامسة بعد المائة الألف، حملوا جميعًا أحلامهم وأحزانهم في صدورهم ووقفوا على سلم الطائرة ينظرون للوطن الأم بعيون يحرقها الدمع، وقلوب ترتجف ألـمًا، وشفاه تتمتم (لم يعد لنا مكان هنا.. أرض الله واسعة).
رغم طول الإقامة، وولادة أجيال جديد في أرض المهجر لم تعرف في حياتها سوى الجليد والصقيع وتلك اللغة الإسكندنافية، تعيش تلك الأجيال في عالمين متوازيين، عالمٌ خارج باب البيت؛ يخالطون فيه المجتمع ويستخدمون لغته ويمارسون عاداته، وعالمٌ آخر خلف باب البيت، لا يختلف عن نظيره في الوطن الأم إلا في تفاصيل صغيرة.
ويظل دائمًا هناك خيطٌ سحري خفي يمتد من جيل إلى جيل يربطهم بمهد ميلاد الآباء المهاجرين، ربما ينتهي في شارع بلا اسم في قرية على الهامش، أو آخر تجاري في مدينة شاطئية، وربما في صحراء تمتد بطول الأرض وعرض السماء.
مذاق الكُسكس المغربي. البامية باللحم وزيت الزيتون. الفلافل المحشوة بهريسة الشطة. طبق اللحم المسلوق يتوسط المائدة. الحلويات الشرقية. عقيقة المولود. دفء الأسرة والشعور بالأمان، الفتة بالخل والثوم مع رشة صلصة ترسم دائرة كبيرة في مساحة ابتسامة الأم وهي ترسم بالبقع الحمراء وجهًا مبتسمًا وعينًا تغمز.
التعرض للمضايقات والتحرش أمر روتيني. في الأتوبيس. في المكتب. في المدرسة. تحاشي المرور من الشوارع الضيقة، فربما برز من مدخل أحد البيوت، بعض المتعصبين. لا أحد يعرف ما الذي ستنتهي إليه المواجهة؛ ربما لكمات، وربما ضربات مميته بعصا غليظة أو طعنة غادرة، مصير ينتظر الكثيرين من المهاجرين وأبنائهم.
في سباق الانتخابات الأمريكية، لم يبخل ترامب بكل الصفات السيئة على منافسته مرشحة الحزب الديموقراطي؛ كامالا هاريس، كونها ابنة والدين مهاجرين. نسي ترامب أنه ينتمي لعائلة مهاجرة؛ جدٌ ألماني وجدة إسكتلندية، أي أنه يمثل الجيل الثاني للمهاجرين، بينما تمثل كامالا الجيل الأول في أسرتها.
في الانتخابات الأمريكية لا محاذير في توجيه الضربات للخصوم، لا قواعد، لا ممنوعات، كل الضربات مسموح بها، وكلما كثر الضرب تحت الحزام، كلما كانت أكثر إيلامًا، وأعمق تأثيرًا، وجذبًا للأصوات، فضلاً عن رفع مؤشر التبرعات إلى مستويات قياسية.
حتى نهاية يوليو الماضي، تجاوزت حصيلة تبرعات حملة هاريس ضعف ما جمعته حملة خصمها؛ 516,8 مليون دولار، 268.5 مليون دولار، على الترتيب.
خلف الكاميرات وفلاشات التصوير، يوقن الرجل الذي لا يخشى النساء أن المنافسة هذه المرة لن تكون سهلة؛ في عام 2016 تمكن من إزاحة هيلاري كلينتون من السباق، واليوم يواجه كامالا هاريس، فهل تتمكن باسم النساء كافة من الثأر لهن، وباسم ملايين المهاجرين من تلقينه درس العمر؟، ربما!