حينما تُسَخّر السينما والدراما لتشويه المجتمعات والتحريض عليها، والتسويق لروايات مليئة بالتضخيم والمبالغات، تصبح أداة سلبية موجهة، تستهدف العقول والنفوس لغايات ومآرب ممنهجة.
ومن صور ذلك، توظيف واقعة فردية معينة، حصلت من فرد تجاه فرد، لتوجيه الإساءات العامة الشاملة لمجتمعات ودول بكاملها، والأدهى أن تكون هذه الواقعة الفردية نفسها مليئة بالزيادات التي تخرجها عن نطاق ما قد حصل فعلياً، إلى نطاق واقع مخترع مختلق موهوم، لا حقيقة له، لا على نطاق زيادات طفيفة لدواعي الأمور الفنية، بل على نطاق أوسع من ذلك بكثير، بما يوحي بقصدية الإساءة، وهذا بالضبط ما جرى في الفيلم المسمى بحياة الماعز، والذي يظهر حياة العمال في دول الخليج عموماً، والسعودية خصوصاً، على أنها حياة مأساوية مليئة بالإهانة والإذلال والحط من الكرامة إلى أبعد حدود، لدرجة أن يعامل هذا الإنسان أسوأ من معاملة الحيوان، ويتم التسويق لذلك على أنه واقع مجتمع وحقيقة دولة.
ولو تجاوزنا سلفاً عن الفيلم كسيناريو، وما في شريط أحداثه من تضخيم وسوداوية، فإن مشهداً واحداً يلخص الهدف المنشود، وذلك عندما نستعرض الفيلم في مراحله الأخيرة، وهو يحكي مركز شرطة للدولة السعودية، يتعامل ضباطه بكل قسوة وغلظة مع العمال، وكأنهم بلا كرامة ولا قيمة، ثم يوقفونهم في صفين متقابلين، وكأنهم سلع معروضة، ليأتي كفلاؤهم كالمشترين في سوق النخاسة، ليتعرفوا إليهم ويجرونهم جر المعيز، إن هذا المشهد وحده، يعكس ما في هذا الفيلم من أهداف موجهة للإساءة إلى الدولة السعودية خصوصاً، وإلى دول الخليج عموماً، والإساءة إلى البدو وأبناء هذه المنطقة، وخلق انطباع سيئ لدى العمالة، لتحريضهم وحثهم على الفوضى.
وهذه الحقيقة التي ذكرناها، قد أقر بها بعض الممثلين أنفسهم، الذين شاركوا في الفيلم، فقد قدم بعضهم الاعتذار، مبرراً مشاركته في الفيلم بعدم درايته بالأحداث كاملة، وأنه عندما شاهد الفيلم كغيره من الناس، وجد الإساءات والمشاهد السلبية تجاه المجتمع السعودي، مؤكداً أنه لو علم ذلك مسبقاً، لم يكن ليشارك في الفيلم، تحت أي ظرف كان.
ولو افترضنا جدلاً أن هذه الحادثة وقعت، كما وردت في الفيلم، فإن ذلك لا يعدو أن يكون مجرد حادثة فردية، كأي حادثة تقع في أي بلد تجاه عامل أو سائح أو أي فرد كان، فهل من المصداقية في شيء عرض هذه الحادثة الفردية، وكأنها الأصل والعموم والظاهرة المستشرية التي تعكس أخلاق مجتمع وثقافته؟!
ولو افترضنا مرة أخرى أن مثل هذه الحادثة وقعت تجاه بعض العمال، فإن هناك الآلاف المؤلفة من العمال الذين وجدوا في دول الخليج كل الاحترام، وبنوا أنفسهم مادياً واقتصادياً، بل اشترى بعضهم عمارات في بلدانهم، ولا يزال أولادهم وأحفادهم يقطنون دول الخليج إلى يومنا هذا، معززين مكرمين.
والمنصف يعلم تماماً حرص دول الخليج على رعاية حقوق العمال وحفظها، ومن ذلك، سن التشريعات والقوانين التي تكفل لهم حقوقهم، وتحقق لهم العدالة الناجزة، في حال وقوع أي ظلم عليهم، فلماذا يتم تجاهل هذا الواقع المشرق كله، والتركيز على واقعة أو وقائع فردية، وبشكل مضخم، لا يمت إلى الواقع بصلة، فضلاً عن استجرار هذه الواقعة من سنين مضت، ليجتمع في هذا الفيلم تشويه الماضي وإهمال الحاضر.
إن العرب أصحاب أخلاق حميدة، وكرم وسخاء واحترام للضيوف، كانوا على هذه الخصال قبل البعثة النبوية، واستمروا على ذلك بعدها، ولا أدل على ذلك اليوم من أن الملايين يقصدون هذه البلدان، ليتمتعوا فيها بالحياة الكريمة، نعم، قد يخرج بعض الأفراد عن هذا الإطار العام، ليمثلوا بذلك حالات شاذة، فهم يمثلون أنفسهم، لا مجتمعاتهم ولا دولهم، ومن الغريب أنه بمجرد عرض هذا الفيلم، انبرت كثير من الحسابات المشتملة على صور معرفات وهمية، إماراتية وسعودية وعمانية وغيرها، للتحريش بين دول الخليج، ونشر الفرقة والفتنة، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن الأمر موجّه، لخلق الاضطراب في دول الخليج، والإساءة إليها.
ولذلك، فإن من واجب العقلاء أن يغلقوا الأبواب على الذباب الإلكتروني، ويتصدوا لهذه الآفة، وليعلم هؤلاء المتصيدون أنهم الخاسرون، لأن أصحاب الخليج صغيرهم وكبيرهم، يدركون عراقة أخلاقهم وكرمهم وحسن تعاملهم مع الآخرين، وأن ثمرة هذه الأخلاق، قد وجدها من ينعم في هذه الدول الطيبة من كافة الأعراق والجنسيات.