منذ شبابه الباكر كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، يتأمل في دورة الحياة ومصائر الأمم، ولقد عبّر عن هذه الفكرة الساكنة في أعماقه منذ طفولته في القصة الثانية من سيرته الذاتية (قصتي: 50 قصة في خمسين عاماً) وعنوانها «زيارةٌ إلى ملك الملوك» حين حضر مع والده طيب الذكرى المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم واحدة من أعظم الاحتفالات في إيران التي أقامها شاه إيران عام 1971م احتفاء بمرور 2500 عام على تأسيس الإمبراطورية.
وصف فيها مظاهر العظمة والبذخ التي كان شاه إيران يُحيط نفسه بها وكيف أن ذلك الحفل الأسطوري كان على حساب الشعب الإيراني الذي كان يعضّه الفقر بأنيابه القويّة، ثم ختم هذه التأملات التي استعرض فيها كثيراً من تحولات الحياة وسقوط عروش وظهور أخرى بقول الشاعر:
أين الملوك ذوو التيجان من يَمَنٍ
وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ
في صورة ترسم الابتسامة في النفس، وتُنعش القلب بالبهجة ظهر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهو برفقة أحد أحفاده ويتنسّم عبق الطفولة من هذا اللحظات الفريدة بين فارس الدولة وبين هذا الطفل الصغير الذي يجد متعته برفقة جدّه والشعور بالسعادة في هذا الموقع، وهو المنظر الذي يُذكّرنا بالموقف الإنساني المنقول عن سيد البشرية كلّها رسول الله ــ صلى الله عليه وسلّم ــ فيما رواه الإمام النسائي بإسناد صحيح من حديث شدّاد بن الهاد الليثي ــ رضي الله عنه ــ، قال:
«خرج علينا رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ في إحدى صلاتي العشاء وهو حاملٌ حَسناً أو حُسيناً، فتقدّم رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ فوضعه ثم كبّر للصلاة فصلّى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدةً أطالها... فلما قضى رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ، قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت سجدة بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يُوحى إليك، قال: كلّ ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهتُ أن أعجله حتى قضى حاجته» أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وها هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يُعيد رسم هذا المشهد الإنساني الفريد، ويكتب تحت وسم «علمتني الحياة» تغريدة بديعة يستلهم فيها فكرة دورة الحياة وشيخوخة الدول والأفراد فيقول: «علّمتني الحياة أنّ الحكومات والدول تكبر وتشيخ وتندثر، وسر بقائها وتجددها هو الاستثمار في شبابها والحرص على بناء أطفالها» فالدرس الذي استلهمه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد من مدرسة الحياة هو أنّ الدول والشعوب والحضارات مثلها مثل الإنسان في دورة الحياة، يولد طفلاً ثم يدخل طور الشباب ثم يُردّ إلى الشيخوخة وأرذل العمر.
فكذلك الدول تنمو وتزدهر وتخطّ أمجادها وإنجازاتها في صفحات كتاب الدهر، ثم تشيخ وتُصاب بالذبول والأفول وتدخل في مدار الغياب والاندثار بعد التوهّج والازدهار، ولا يفلت من هذه القبضة إلا من امتلك البصيرة في النظر للأمام، وجعل إعداد الشباب هم ذخيرة المستقبل، واعتنى بالأطفال بحيث يظل نهر الحياة متدفقاً جارياً، ولا تعتمد الدولة على جيل واحد تذهب بذهابه وتفنى بفنائه.
«حتى الإنسان تنطبق عليه نفس الفكرة، عندما يتقدم الإنسان في العمر يبحث عمّن يكبر معه، بينما السر يكمن في قضاء الوقت مع مَنْ يُبقي فيك طفولتك» وكما يسري قانون التلاشي على الأمم والدول فكذلك هو الإنسان حين يتقدم به العمر تجده يبحث عمّن يُشاطره شعور الإحساس بتقدم العمر لكي يكون في ذلك بعض العزاء عن الذكريات الخوالي، لكنّ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يتجه بهذا الإحساس اتجاهاً آخر حين يؤكد على:
أنّ الذي يُجدد شباب القلب ويُعيد للروح روعة الإحساس بالحياة هو قضاء بعض الوقت مع هذه الأرواح البريئة من الأطفال التي تُجدد فينا جمال الإحساس بالوجود حين نرى هذا الامتداد للإنسان في هذه الذرية الجميلة من الأبناء والأحفاد، فبدلاً من الانكماش والانزواء في زوايا العجز والشيخوخة، والجلوس في محراب الصمت والكآبة، يدعونا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد من خلال هذه التغريدة المفعمة بالحيوية إلى مواصلة استقبال الحياة في إيقاع الطفولة الذي يفتح لنا الأفق البعيد على جمال الحياة وروعة الشعور بأنّ على هذه الأرض ما يستحق الاحتفاء بكلّ ما من شأنه أن يدخل البهجة على القلب، ويدفع الروح نحو مزيدٍ من البذل والعطاء.