انتقل إلى رحمة الله تعالى المواطن البحريني الغيور عبدالرحمن بن محمد سيف جمشير يوم الأربعاء 28/8/2024م، فقد كان بوأحمد عضو مجلس الشورى من الرعيل الذي تخرج من الجامعات الخارجية وبالذات الجامعة الأمريكية ببيروت، وتقلد مناصب متعددة اقتصادية واجتماعية وثقافية وبرلمانية، وكان مثالاً للإنجاز الوطني متكاتفًا مع الجيل الذي عاش بينهم.. كنا نلتقي بهذا الجيل في مناسبات متعددة، وكنا ننظر إليهم بكل التقدير والإعجاب ونأمل أن نستفيد من خبراتهم وتجاربهم، فقد كان نادي الخريجين مثلاً ملتقى لهؤلاء الخريجين الذين تخرجوا من جامعات عربية وأجنبية وتقلدوا في مملكة البحرين مناصب كان لهم إسهامهم بدعم القيادة الرشيدة وإتاحة الفرصة لهم للإبداع وتقديم أفضل ما لديهم، كانت معرفتي بالراحل العزيز (بوأحمد) من خلال أخيه وصديق الدراسة بجامعة الكويت المرحوم عبدالعزيز بن محمد سيف جمشير الذي طالما - يرحمه الله - دعانا إلى مدينة المحرق لنلتقي بالزملاء الطلبة من أهالي المحرق العريقة، وكان لنا فرصة زيارتهم بمنازلهم والالتقاء بأسرهم الذين كانوا يفرحون بقدوم أصدقاء أولادهم، وكان لي فرصة الالتقاء بالمرحوم عبدالرحمن في مناسبات كثيرة، وعندما عملت في الصحافة وبعدها في الإعلام كانت فرص الالتقاء بهؤلاء السابقين من الخريجين في أعمالهم الحكومية والخاصة كثيرة، واستفدنا قطعًا من خبرتهم وتجربتهم فهم الجيل أو قل الأجيال التي حملت تجربتها وخبرتها ولم تبخل علينا نحن من أجيال لاحقة بالمعلومة والتجربة وتغيير التفكير لما يعود على الوطن بالخير، وعلى المجتمع بكل ما يدعم وحدته وتكاتفه وتعايشه السلمي.
كان المرحوم جاسم جشمير مدير الجمارك في حكومة البحرين أخًا شقيقًا للمرحوم عبدالرحمن، وتوطدت علاقتي به عندما كنت في هيئة الإذاعة والتلفزيون رئيسًا لها، فكان تعاملنا شبه يومي مع جمارك مطار البحرين، فقد كانت المسلسلات المصرية والعربية تأتينا عن طريق الشحن الجوي، وكذلك كانت الأفلام الإخبارية وبالذات من شركة فزنيوز الإخبارية البريطانية، وكان لا بد من تسهيل دخول هذه المواد إلى البحرين ليستلمها موظفو هيئة الإذاعة والتلفزيون لأن العرض قد يكون في نفس الليلة، وكان المرحوم جاسم جشمير من الذين ساعدونا كثيرًا على تسهيل دخول المواد بالسرعة المطلوبة، وكان يقول لنا: لا تترددوا في إخباري بأي عائق يحول دون وصول موادكم في الوقت المطلوب. وكنت عندما أروي للراحل العزيز عبدالرحمن مواقف أخيه جاسم كان يثني على جهوده وتقديره لرسالتنا الإعلامية.. كما أن المرحوم عبدالرحمن بن محمد جشمير لم يبخل علينا في أي تصريح ننشده في المجالات التي كان يعمل فيها، وكان إسهامه في نادي الخريجين كرئيس مجلس إدارة للنادي مشهودًا حتى في آخر منصب له بالنادي كعضو شرف بالتعاون مع صديقه الأخ عبداللطيف بن أحمد الزياني رئيس نادي الخريجين، وكانت لجهود (بوأحمد) عبدالرحمن جشمير في تطوير قاعة المحاضرات وغيرها بالنادي من خلال توجيهات القيادة الحكيمة والديوان الملكي أطيب الأثر في التطوير، ولا يزال يشهد نادي الخريجين تطويرًا في الأداء وفي الرسالة الثقافية المنوطة به.
المرحوم كان عضوًا بمجلس الشورى، وقد كان لي شرف الاطلاع على أدائه المشرف في المجلس ولجانه المتعددة، ولم يبخل علينا بالرأي والمشورة، وصادف أن التقي به في جمهورية مصر العربية كونه عضوًا في البرلمان العربي هو وكوكبة من أعضاء مجلس الشورى والنواب البحريني، وكان في كل مرة التقي به يدعونا لوليمة لا تخلو من الأصدقاء والمقربين ونتبادل الرأي والمشورة، ويسهم مع الزملاء في تطوير أداء البرلمان العربي في دوراته المتعددة.
يظل عطاء أبناء الوطن محل تقدير واحترام من سيدي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، بدعم من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله.. فالعطاء الوطني لا يقف عند حدود، وبتعاون وتكاتف أبناء الوطن في مختلف المجالات تتحقق الأماني التي ينشدها كل مواطن على هذه الأرض المباركة.
برحيل العزيز (بوأحمد) تطوى صفحة من تاريخه، لكن ذكراه وأعماله وحسن شمائله ومساعدته لأبناء وطنه تظل نبراسًا يقتدى به كل من أراد خيرًا لوطنه ومواطنيه، ونحن كأبناء لهذا الوطن نفخر بعطاء من سبقونا ونظل ساعين للاستفادة من خبرتهم وتجربتهم وقدرتهم على البذل والعطاء، وترك المرحوم أبو أحمد آثارًا من الخدمة والعطاء الوطني يستفيد منها كل من يسعى لخير هذا الوطن وقيادته الحكيمة وشعبه الوفي.