بحرفية قدم سمير خفاجي والثنائي غير المتكرر، الأستاذ وشويكار، مسرحية سيدتي الجميلة لبرنارد شو على المسرح المصري. استحق فؤاد المهندس لقب الأستاذية في المسرح ولم ينافسه أحد. انفرد به كما انفرد غيره بذات اللقب في مناح أخرى، الاستاذ محمد حسنين هيكل في الصحافة، والست عندما نقصد سيدة الغناء العربي، أم كلثوم.
فرضت المسرحية نفسها، فصار من الصعب تجاوزها في تاريخ المسرح العربي عامة، والمصري خاصة. أن تسلخ نصاً إنجليزياً من أصله وتعيد إنتاجه بصبغة مصرية خالصة، ليس بالعمل السهل.
عادة، يعيش المترجم بين جدران عقل المؤلف، موقنً أن لا سبيل للهروب. تطارده تعبيراته اللغوية وقاموس مفرداته الخاصة. تحاصره جغرافيا المشاهد والأماكن. يظله مناخ وعادات وتقاليد العمل الأدبي، رواية كانت أو مسرحية، أو غيرهما من أشكال النصوص الأدبية. يُنقع المترجم في التفاصيل كافة، وربما تقمص روح أحد شخصياتها، حتى يتمكن من نقل مشاعر الراوي إلى القارئ. سهل أن تترجم. صعب أن تُنسى القارئ النص الأصلي.
تخطى المبدعان، سمير خفاجي وبهجت قمر حاجز الترجمة إلى التمصير، بمعنى نسخ أحداث الرواية إلى أجواء المحروسة، بنكهتها وزخمها، همومها وأفراحها، انتصاراتها وانكساراتها، ملحها ومليحها، بصمة تشكلت على مهل، اختزنت عبر آلاف السنين وانطبعت في طبقاتها الجيولوجية، اختلطت فيها موروثاتها الدينية والثقافية وتباينت مستوياتها من الجودة فشاب بعض من صحيحها شيء من تشويش. تجاوزا التمكن من تمصير المسرحية إلى إقناع المتفرج بأن لا علاقة بين المسرحية والنص الأصلي.
حصل الكاتب الإنجليزي جورج برنارد شو على نوبل في الآداب 1925 وذاعت شهرته ككاتب مسرحي من الطراز الأول. تأثرت كتاباته بنشأته الفقيرة فانعكست على معالجات رواياته ومسرحياته. لم يمكنه الفقر من استكمال تعليمه، فعلم نفسه بنفسه وكابد آلام تجاهل القراء والنقاد رواياته الأولى. نشر خمس روايات لم يصادف أحدها النجاح فعمل ناقداً للموسيقى حيث ذاع صيته، تلى ذلك كتابته العديد من المسرحيات. كانت بيجماليون بطابعها الأسطوري اليوناني الأشهر بين أعماله.
كان بيجماليون أعظم نحاتي عصره، يصنع من كتل الحجر الصماء التماثيل تضج بالحياة والحركة، عجز معها نظراءه عن محاكاته. وذات يوم، انتهى من صنع تمثال من العاج لامرأة بارعة الجمال، هام بها، ومن فرط إعجابه وقع في هواها وزينها بالنفيس من الجواهر، كان يقضي الساعات إلى جوارها يتأمل تفاصيلها الرائعة التقاسيم، حتى أنه دعا فينوس، إلهة الحب والجمال، أن تمنحها الحياة فحذرته من ذلك، ونصحته بالإبقاء عليها كتمثال جميل، فما كان منه إلا أن توسل إليها، فلم تجد بُدًا من تحقيق أمنيته، فما كلن منه إلا أن أطلق عليها اسم "جالاتيا".
وبينما كان بيجماليون يتضرع لفينوس شكراً، فتحت جالاتيا عينيها لأول مرة لتجد أمامها صديقه ومساعدة نرسيس أمامها، فتعجب به وتحبه وتهرب معه، عندها تغضب فينوس وتتدخل لتعيد جالاتيا إلى بيجماليون، وتشرح لها حقيقة أمرها، وأنه النحات الذى صنعها، فتندم على ذلك وتعود زوجة مخلصة محبة لزوجها، وفي لحظة صفاء يبتهل بيجماليون إلى الآلهة أن تعيد جالاتيا إلى حالتها الأولى، تمثال فائق الجمال.
من هذه الخلفية التقط برنارد شو خيط سرد مسرحيته، فهنري عَالم الصوتيات، يراهن صديقه على مقدرته تدريب الفتاة الفقيرة "دوليتل"، التى تبيع الورود في الشارع وتتحدث بطريقة سوقية على أداء دور سيدة ارستقراطية في حفل يقيمه السفير، فيأخذ في تعليمها ويكابد في ذلك معاناة شديدة حتى ينجح وتصبح سيدة مجتمع، وكما وقع بجماليون في حب جالاتيا، هام هنري في حب دوليتل.
قصة تتكرر ما تعاقبت الأيام، لتظل هناك دائمًا سيدتي الجميلة.