سألني يومًا حفيدي عبدالعزيز بن بدر بن محمد الجلال «كيف أصبحت يا والدي سياسياً»، قالها بلغة إنجليزية كون أجيالنا بدأت تنطق بلغات أجنبية بالإضافة إلى لغتنا العربية أو قل لهجاتنا المحلية، فقلت له: «لماذا هذا السؤال»، فقال: «إنني أرغب أن أدرس علم السياسة»، فقلت له: «يا ابني بدأت حياتي العملية صحفياً وإعلامياً، وتعاطيت السياسة بحكم قراءة الأخبار التي ترد إلينا من الوكالات العالمية والعربية بالأقلام إلى الأفلام الإخبارية التي اشتركنا فيها، وتفرض علينا المادة التي نرغب فيها أو لا نرغب فيها، وإن كنا نترك صياغتها ما لا يتفق مع التوجيهات المعطاة لنا، وإن كنا نحتفظ ببعضها لإعداد تقارير عالمية أو عربية»... وكانت الأخبار تمثل بالنسبة للكثير منغصات والبعض عدها من الضروريات، وكنا نسمع من يقول على مسامعنا: «وما آفة الأخبار إلا رواتها»... كانت سلعة الأخبار على كل حال سلعة رائجة في الكثير من المحطات وإن كان المشاهدون يختلفون في تقييمهم ومتابعتهم، وحتى من داخل مؤسساتنا كان بعض البرامجيين والمخرجين من برامج المنوعات مثلاً يقولون وهم يخاطبوننا منتقدون «أنتم يا أصحاب صرح» وعلى الرغم مما في الأخبار من أحداث مؤسفة فإن فيها أخبار العلوم والثقافة والأدب، وإن كانت قليلة والاهتمام بها يتراوح من غرض إلى آخر، وقليل من نشرات الأخبار في المحطات من يهتم بمثل هذه الأخبار المفرحة في النشرات المعتادة وإنما يخصصون هذه الأخبار من نوع آخر لبرامج المنوعات... وكنا نستغرب من كان يقول: «إنني لا أتابع الأخبار إلا في نهايتها وأنتم تعلنون عن أخبار الوفيات واليوم لم تعد هذه المادة واردة في الأخبار الساخنة وإنما مجالها وسائل التواصل الاجتماعي والقليل في الصحافة اليومية المحلية».
تساءلت كيف عنَّ لحفيدي أن يبدي اهتمامًا بالسياسة؟! ويتطلع يومًا إلى أن يدرس علوم السياسة في مستقبل دراسته الجامعية إن شاء الله... ترى هل كوَّن في عقله أهمية هذه السياسة وضرورتها أم باتت ما تتناقله الألسن من تعاطٍ للشؤون السياسية أوقظت في نفس أجيالنا الرغبة في معرفة ماذا تعني السياسة لهم مستقبلاً.
إن ما يجري حولنا اليوم ينذر بأن تكون ثقافة الجيل الجديد مختلفة عنا أيام جيلنا والجيل الذي قبلنا، وأظن أن السؤال الذي تطرحه الأجيال الحالية «هل لا يوجد حل لمشاكل العالم الحالية إلا الحروب والدمار والقتل أم إن العقل الإنساني لا يعدم الحكمة والتبصر والروية»، فنلتقي على كلمة سواءً ونجنب بلادنا وشعوبنا ويلات الحروب وعدم الاستقرار، والتشرد والضياع لفئات مختلفة من البشر وأعمار متباينة وعدم تأمين ضرورات الحياة المعاصرة من سكن وغذاء وعلاج، رغم تعدد المستشفيات وتنوع الاختصاصات الطبية وتوافر الغذاء بأنواعه... هل زاد الطبع عن حده؟ وهل زاد توحش بعض البشر بحيث لا يجد إلا نفسه ورغباتها ونزعاتها المستبدة؟ ماذا أقول لك يا حفيدي وأنت لازلت في مقتبل العمر؟! هل أطمئنك أم هل أخوفك؟ هل أزرع في نفسك الأمل؟! وألقى في وجهك كل منغصات الحياة المعاصرة؟! فنحن مسؤولون عنكم في توفير سبل العيش الكريم وتذليل العقبات وتسهيل الصعاب، ونسلمكم الأمانة الوطنية والعالمية ونحن مرتاحي الضمير.
أتمنى كما يتمنى غيري أن يسود الأمن والسلام وأن نزرع الأمل في نفوس أجيالنا وأن نبني مستقبلاً أكثر أماناً واستقراراً وأن نتجنب ويلات الحروب والدمار والإرهاب الخبيث والدسائس والاعتداء على أراضي الغير ونهب خيرات الشعوب وتهجير المواطنين من أراضيهم وقصف منازلهم ومقار عملهم والعبث بمقدراتهم وأملاكهم وحقوقهم المشروعة، ألا نحتاج إلى صحوة الضمير وتحكيم العقل والعودة إلى الرشد، ألا يوجد من يأخذ بيد الظالم وينصر المظلوم...
أتمنى أن يكون مستقبل الأجيال أكثر أماناً، وأحسب أننا جميعاً مسؤولون عن تأمين ذلك، فبالعلم والعمل تبنى الأمم مستقبلها ومستقبل أجيالها، وربما نحتاج أن نزرع التفاؤل في نفوسنا ونفوس من يشاركوننا في الحياة.
نعم يا حفيدي عبدالعزيز أوطاننا عزيزة علينا وأنتم الجيل الذي نأمل فيه خيراً وعليكم بالعلم، والسياسة ككل العلوم لها قواعدها وقوانينها ومردوداتها الخيرية على المجتمعات إن أحسن ترشيدها والاستفادة منها كعلم نافع ومفيد، والعلوم عموماً فيها من الفوائد الشيء الكثير، وعلينا أن نؤمن بأن الخير يعم والشر يخص، فلنجعل من العلوم خيراً للإنسانية كلها.