تابعت على صفحات جريدة المصري اليوم فعاليات المنتدى الاقتصادي، الذي أطلقته الجريدة وحشدت له رموزًا محلية ودولية في مجالات السياسة والاقتصاد، وكذلك أنشطة أسبوع القاهرة للمياه بثقله العلمي ومكانته السياسية، فرض تغير المناخ نفسه في كلا الحدثين على أجندات العمل وجلسات النقاش.
في العمل المناخي هناك بدايتان، الأولى عام 1992 من مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، والمعروفة بقمة الأرض والتي أدارها باقتدار الدكتور مصطفي كمال طلبة (1922 – 2016)، وقت توليه منصب المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. والثانية من باريس 2015، حيث عقد مؤتمر الأطراف الحادي والعشرون.
أفرزت الأولى ثلاث اتفاقيات دولية تحولت إلى مناهج عمل؛ اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي، اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، واتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ. انبثقت عن الأخيرة سلسلة مؤتمرات الأطراف Conference of Parties, COP، عقد أولها في برلين عام 1995، وآخرها العام الماضي في دبي، الذي بنى على ما حققته قمة شرم الشيخ للمناخ، نوفمبر 2022، بوضعه بند الخسائر والأضرار Loss and Damage على طاولة المفاوضات، مما عُد نجاحًا في تعليق الجرس الأول في عنق قط الدول الصناعية.
في حين تبنى مؤتمر باريس هدف عدم تجاوز درجة حرارة كوكب الأرض1.5 درجة مئوية وبحد أقصى درجتين، مع التشديد على ضرورة حشد مائة مليار دولار سنويًا لمساعدة الدول النامية على مواجهة تبعات تغير المناخ. مع هذا، لا يعد التفاعل العالمي إزاء هذه التعهدات مُبشرًا، مما يجعل منها قرارات كتبت على صفحة نهر صاخب.
حيث يوجد الماء ضربت المجتمعات القديمة خيامها وأسست حضاراتها، الآشورية حول نهري دجلة والفرات بالعراق، والحضارة الصينية على طول النهر الأصفر، والهندية القديمة على نهر السند، وحضارة الأنباط في الأردن، والفرعونية على ضفاف نهر النيل بمصر، إذ لا حياة بدون ماء.
تذكر كتب التاريخ، تعليق محمد علي باشا، عندما أدرك أن النيل ينبع من الحبشة، إذ قال (إذًا حدودنا هناك)، في إشارة إلى الحدود الاستراتيجية، وليس الطبيعية، أو ما بات معروفًا اليوم باسم (الأمن القومي).
في معرض كلمته بالمنتدى، نبه المفكر الاقتصادي جيفري ساكس، إلى أن الأخطار البيئية المحيطة بنهر النيل يمكن أن تتسبب في فقد ربع وارداته المائية خلال سنوات قليلة قادمة، وعلى الرغم من كونها تكهنات، إلا أن ما نشهده من تحولات بيئية عالمية حادة تلزمنا التحوط ضد الأسوأ، خاصة أن حصة مصر الحالية؛ ٥٥ مليار متر مكعب سنويًا، لا تكفيها.
في ذات السياق، جاءت الرسائل السياسية لأسبوع القاهرة للمياه واضحة دون مواربة لشركاء حوض النيل؛ لا للاتفاقيات الأحادية، ولا للمساومة على حصة المحروسة من مياه النهر، كونها (قضية وجودية وقضية حياة أو موت بالنسبة لمصر)، كما ذكر السيد وزير الخارجية.
على التوازي، تبرز قضية تحسين كفاءة استخدام المياه وتعظيم قيمتها المضافة، فإذا كان التحول من الري بالغمر إلى الري الحديث أمرًا حتميًا، كما طرح الأستاذ صلاح دياب؛ مؤسس جريدة المصري اليوم، في كلمته، تأتي سبل تعظيم إنتاجية الفدان من المحاصيل الزراعية باختلاف أنواعها، والتي لا تنحصر فقط في انتقاء سلالات البذور ووسائل تخصيب الأرض، بل وفي منهجيات التخصيص للمستثمرين.
إلى جانب ذلك، شمل الحدثان موضوعات شتى تحولت فيها جلسات النقاش إلى منصات فكر تنثر بذورها ذات اليمين وذات الشمال، عسى أن تدركها حبات مطر النظر والعناية، قبل أن يصيبها العطب أو تتحول المنتديات إلى أودية للصرخات ليس إلا.