سجلت قمة المناخ في شرم الشيخ COP27؛ نوفمبر 2022، نجاح الدبلوماسية المصرية في إدراج بند الخسائر والأضرار Loss and Damage ضمن قائمة قراراتها، وعليه أصبح حاضرًا على أجندات القمم التالية. بينما تبنت قمة دبي في العام التالي هدفين؛ الأول مضاعفة قدرات الطاقة المتجددة بثلاثة أضعاف بحلول عام 2030 ليصل الإجمالي نحو 11 ألف جيجاوات، والثاني مضاعفة معدل تحسين كفاءة الطاقة، في محاولة لكبح جماح حرارة الكوكب وعدم تجاوز سقف 1,5 درجة مئوية، طبقًا لاتفاقية باريس 2015.
يتطلب تحقيق تلك الأهداف مصادر تمويل تصل إلى 3,8 مليار دولار سنويًا؛ 1,5 مليار دولار لقدرات الطاقة المتجددة و2,3 مليار لكفاءة الطاقة، وذلك بالإضافة إلى 700 مليون دولار سنويًا لتدعيم ومد نطاقات شبكات نقل وتوزيع الكهرباء.
من هنا يُعد مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين COP29، أو ما بات يعرف بقمة باكو -عاصمة آذربيجان، من 11-22 نوفمبر، قمة حشد التمويلات، ويُنتظر أن يحضره قرابة المائة ألف مشارك يمثلون أكثر من 180 دولة، يبحثون فيما بينهم سبل تعجيل إجراءات تحول الطاقة والحفاظ على الكوكب.
وسوف تركز المناقشات على ما تم إنجازه من تجارب ناجحة وسبل نشرها، أخذًا في الاعتبار خصوصية كل دولة وقائمة أولوياتها من دمج مشروعات الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة استخدام الطاقة في قطاعات الاستهلاك المختلفة وجذب استثمارات القطاع الخاص.
أسبوعان لن يختلفا كثيرًا عما سبقهما من قمم، جدالات ومناقشات ومراوغات، عادة يمتدان ليومين إضافيين، تتبعها شلالات قرارات تحكمها التوازنات السياسية.
يأتي هذا في الوقت الذي تستعد فيه الوكالة الدولية للطاقة، أيرينا لعرض نتائج تقريرها؛ "توقعات التحولات العالمية في مجال الطاقة 2024 World Energy Transitions Outlook 2024"، خلال فعاليات COP29، والذي جاء فيه أنه حتى لو تم تنفيذ كافة القرارات الصادرة عن قمم المناخ السابقة الهادفة لتحقيق صافي انبعاثات صفري، ستظل هناك فجوة بحلول عام 2050 تصل إلى 49% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بما يعادل 17 جيجا طن من انبعاثات ثاني أكسيد كربون، تمثل حيودًا عن مسار صافي صفر انبعاثات ويضع الكوكب أمام احتمالات تجاوز حاجز الدرجتين على مقياس سيلزيوس.
ربما كان من حسن الحظ أن يعقد المؤتمر قبل تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاليد الحكم، الذي اتخذ خلال فترة حكمه السابقة (2017-2021)، قرارًا بانسحاب أمريكا من اتفاقية باريس للمناخ، متذرعًا بأن الاتفاقية تضر بمصالح أمريكا الاقتصادية، وترفع من تكاليف منتجاتها، الأمر الذي يلقي بظلاله على فترة حكمه الثانية (2025-2028)، وتوقع الكثير من القرارات غير السارة ذات الصلة بالمناخ.
مضاعفة الاعتماد على المصادر المتجددة يقضم حصة من استثمارات النفط والغاز اللذين يدعمهما الرئيس ترامب، وتضمنهما برنامجه الانتخابي مضافًا إليهما التشجيع على التنقيب في المناطق البحرية والمحميات الطبيعية، وكذلك صناعة النفط الصخري ورفع القيود المفروضة على تصدير الغاز المسال، كل هذا وغيره في المجالات الأخرى قدمه ترامب تحت عنوان (أمريكا أولاً)، وعليه فأي شيء قد لا يجعلها في المقدمة مرفوض؛ ولا عزاء للاتفاقيات ولا العلاقات الدبلوماسية، ولتذهب نسبة العشرة في المائة من انبعاثات الكربون الأمريكية إلى الجحيم.
من هنا، يصبح التكهن بعمر القرارات المزمع اتخاذها خلال قمة باكو أمرًا صعبًا، حيث يحولها سيد البيت الأبيض برفضه لها إلى حبر على ورق، حتى لو كانت أمريكا ثاني دولة من حيث حجم الانبعاثات بعد الصين.
غيوم سياسية وأخرى مالية وثالثة فنية تكتنف قمة المناخ التاسع والعشرين COP29 في باكو هذا العام، تُرى أي مستقبل نرسم للبشرية تحت شعار أمريكا أولاً؟