آخبار عاجل

سوريا بين الخيطين الأبيض الأسود.. بقلم د: محمد مصطفى الخياط

03 - 01 - 2025 9:52 19

 

لم يتخيل المسئول المرموق ميخائيل رجائي أن يأتي يوم يتحول فيه إلى سعد المبروك تابع الأمير عبادي، أو أن تنضم خطيبته خميلة إلى قطيع سبايا الإمام.
كانت الأمور تسير سيرها الطبيعي في المدينة الهادئة بمزيجها الإنساني المكون من خليط ثقافات وديانات ومذاهب انصهرت فيما بينها فعاشوا في سلام يعكر صفوها حكم جائر وحاكم تركي ضعيف. 
ما أن عادت خميلة إلى مدينتها بعد إتمام دراسة الفنون في مصر حتى خطبها ميخائيل، وراحا يؤثثان منزل الزوجية ويحلمان بيوم يظلهما سقف واحد إلى أن جاء يوم تواترت فيه الأخبار عن ثورة تجتاح المدن المجاورة، وكالعادة انشغل الناس بالجدال حولها بين مؤيد ومعارض إلى أن استيقظوا ذات صباح وجنود الإمام الـمُتقي؛ قائد الثورة، يحكمون المدينة. 
ما حدث بعد ذلك مشاهد مكررة في مدن الاستباحة والقهر العربية على مدار التاريخ؛ فوضى وقتلى في الشوارع، وأسرى أصبحوا عبيدًا، وحرائر صِرنَ سبايا، ورايات نصر ترتفع فوق أكوام الحطام.
تحول الماضي إلى خطيئة، وأُرغمَ الجميع على تبديل أسمائهم ودياناتهم، وصار عبادي طلسم، الفراش بمكتب ميخائيل، أميرًا على كتيبة من المقاتلين تضم سعد المبروك، وأصبحت خميلة الجارية نعناعة، وتتوالى الأحداث بين مقاتلين يستبيحون المدينة وسكان يستبدلون قهر حاكم تركي بإمام يظن أنه لا ينطق عن الهوى.
(كتبت عن مأساة ميخائيل في روايتك "توترات القبطي"، فماذا عن خميلة؟)، سألت سيدة الروائي السوداني أمير تاج السر، فما كان منه إلا أن كتب الجزء الثاني تحت عنوان "زهور تأكلها النار".
قبل 8 ديسمبر الماضي، كانت الأراضي السورية مقسمة إلى ثلاث مناطق؛ قوات سوريا الديمقراطية؛ المعروفة اختصارًا بقسد، وتستولى تقريبًا على ربع مساحة سوريا، وهيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة مع تركيا، 10%، وتسيطر الحكومة على النسبة الباقية.  
وبينما كانت هناك حكومات ترى القوات غير الحكومية خليطًا من ميليشيات ومرتزقة استولوا على مناطق الدولة وفرضوا أحكامهم عليها، كانت هناك دول أخرى تسعى لمد نفوذها الحيوي عبر دعمهم بالمال والسلاح.
أدت تلك الأحداث إلى جانب بطش أجهزة القمع الحكومية إلى نزوح نحو 6 ملايين سوري؛ أي قرابة 25% من إجمالي عدد السكان، تفرقوا في العديد من الدول، وإن استحوذت تركيا على النصيب الأكبر؛ 3,7 مليون لاجئ. 
وبين يوم وليلة، ومع انهيار أركان دعم النظام السوري ممثلة في تدمير استراتيجي لبنية حزب الله العسكرية وتهديدات بسحق البرنامج النووي الإيراني، فضلاً عما أصاب حركة حماس من شلل، دخلت قوات الفصائل دمشق وفي مشهد هوليودي الإخراج خطب أحمد الشرع، الملقب أبو محمد الجولاني، في المسجد الأُمَوي، ليعلن بداية عهد جديد، لا يعلم إلا الله إلى أين يسير.
وعلى إيقاع دوي انفجارات نسف وتدمير البنية العسكرية للدولة واحتلال مناطق حدودية من جانب إسرائيل، تتواتر مشاهد الآلة الإعلامية في تقديم الجولاني وصحبه عبر مقابلات تليفزيونية منتقاة مع قنوات أجنبية وعربية استعرض خلالها استراتيجيات عمل ورؤى ورسائل طمأنة لدول الجوار، ودعوات للاحتفال في الشوارع.
ويظل السؤال، هل تضع القوى المسلحة؛ هيئة تحرير الشام وقسد ومن دونهم، صراعاتها جانبًا ولا تتنازع كعكة السلطة؟ هل تتعاهد على إعادة بناء الدولة من خلال نظام حكم رشيد مع إدارة موارد دُمر أغلبها، ورتق علاقات خارجية مهلهلة، وتأهيل جيش قادر على الردع؟
أخشى أن يطول الصراع لعقدين أو ثلاث، فالسوابق في العراق واليمن والسودان وليبيا تقول ذلك، وإلى أن يتبين الجميع الخيط الأبيض من الخيط الأسود فعلى سعد المبروك/رجائي ميخائيل، وخميلة/نعناعة، وسائر المواطنين، دفع الثمن.
 
 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved