آخبار عاجل

التعليم من أجل الاستدامة «1».. بقلم: د. منصور العور

03 - 01 - 2025 9:58 39

كتبت صحيفة «الصنداي تايمز» البريطانية ذات مرة: «ربما كان التعليم الكلاسيكي الذي من كُبرى صروحه أكسفورد وكامبريدج صالحاً لإدارة إمبراطورية لكنه ليس صالحاً لإدارة الاقتصاد». وفي ضوء التطورات السريعة التي شهدتها مؤخراً حقول عديدة للنشاط الإنساني، من أبرزها تكنولوجيا المعلومات وبشكل أكثر تحديداً تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، أصبح من المألوف القول إن التعليم الكلاسيكي أو التقليدي يُعدُّ الطلاب لعالم لم يَعُدْ موجوداً.

وإذا كان التعليم كما لا يختلف اثنان كلمة السر في تطور الاقتصاد، فلا بد أن التعليم والاستدامة مرتبطان ارتباطاً وثيقاً فيما بينهما. لذلك أعمل في هذه المقالة على تبيان كيف أن التعليم يمثل حجر الأساس في أي تنمية مستدامة، بحيث أنه ما من أمة تسعى للتنمية أو الاستدامة إلا ويجب عليها أن تضع التعليم على رأس أولوياتها.

وهكذا فإننا ما دمنا قد اتفقنا على ضرورة التعليم للاستدامة، فإننا نجد أنفسنا أمام أسئلة أخرى لا بد من الإجابة عنها: ما هي الاستدامة وما هي التنمية المستدامة؟ ما ماهية هذا التعليم المستدام الجدير بتحقيق المستقبل المستدام؟ وما هي صفات هذا التعليم وسماته؟ وسوف نعتمد في ذلك على الأمم المتحدة وأدبياتها في هذا الشأن.

التعليم من أجل الاستدامة، المعروف أيضاً باسم التعليم من أجل التنمية المستدامة (ESD)، هو نهج متكامل يمكّن الأفراد من اكتساب المعارف والمهارات والقيم اللازمة لخلق مستقبل مستدام. وهذا النهج يدمج قضايا التنمية المستدامة الرئيسية في التعليم والتعلم، ويهدف إلى تطوير قدرات الابتكار والتفكير النقدي واتخاذ القرارات والقدرة على حل المشكلات وتخيل السيناريوهات المستقبلية.

ولا شك أن كل هذه المهارات والقدرات ضرورية لمواجهة التحديات العالمية المعقدة.

ويُعزز التعليم التفكير النقدي والابتكار والوعي بالتحديات العالمية مثل تغيّر المناخ، واستنفاد الموارد، وعدم المساواة الاجتماعية. ويشجع التعليم المستدام على ممارسات مثل تقليل النفايات، والحفاظ على الطاقة، ودعم السياسات الصديقة للبيئة، مما يضمن أن ترث الأجيال القادمة عالماً أكثر صحة واستقراراً وعدلاً. وعبر هذا النهج من التعليم المستدام يمكن للمجتمعات غرس القيم والسلوكيات الضرورية لمستقبل مستدام.

خلال العقود الماضية، لاقى هذا المنهج الجديد إقبالاً في دول كثيرة حول العالم، لدوره في تمكين الناس من اتخاذ خيارات مستنيرة وإجراءات لتحسين جودة الحياة. وبهذا المفهوم، يمكن تعزيز الفهم الشامل للترابط بين النظم الاجتماعية والبيئية والاقتصادية، وتغذية الشعور بالمواطنة العالمية، وتشجيع التعاون والتشارك بين الأفراد بغض النظر عن اختلاف الخلفيات الثقافية والانتماءات بشأن القضايا العالمية الملحة.

ويتطلب تنفيذ التعليم من أجل الاستدامة نموذجاً للتعليم متطوراً ومبتكراً يدمج مبادئ التنمية المستدامة في جميع جوانب التعليم والتدريب. وهذا لا يشمل التعليم الرسمي في المدارس والجامعات، فحسب، بل يشمل أيضاً بيئات التعلم الرسمية وغير الرسمية.

ومن نافل القول أن اعتماد مثل هذا النهج من التعليم لا يمكن أن تستوعبه بيئات التعليم التقليدي، لأنه يتطلب إنشاء بيئة تعليم مستدامة، من خلال تعزيز محو الأمية البيئية، وتعزيز المسؤولية الاجتماعية، وتشجيع الممارسات الاقتصادية المستدامة. وبالنظر إلى ما تقدم، نرى أن التعليم من أجل الاستدامة يؤدي دوراً حيوياً في إعداد الأفراد لمواجهة التحديات الملحة التي تواجه كوكبنا وخلق مستقبل أكثر استدامة للجميع.

تتجاوز الاستدامة في التعليم الوعي البيئي لتشمل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، مما يخلق نهجًا شاملاً لمواجهة تحديات المستقبل. وبالتركيز على المساواة والشمول، يضمن التعليم المستدام أن يحصل جميع الأفراد، على فرص تعليمية ذات جودة عالية.

وهذا يعزز مرونة المجتمعات ويُزوِّد المتعلمين بالقدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة، وابتكار الحلول، والمساهمة في مجتمع متوازن ومستدام. وبالإضافة إلى ذلك، يشجع التعليم المستدام تقارب التخصصات المتعددة، حيث يمزج بين العلوم والتكنولوجيا والأخلاق والثقافة، لا سيما أن التعليم الذي يرتكز على الاستدامة يستهدف غرس ثقافة تقدّر رفاهية الإنسان واستدامة موارد الكوكب على المدى البعيد.

في المقالات المقبلة من هذه السلسلة، نسلط المزيد من الضوء على مفهوم الاستدامة ونرى جذوره في الحكمة الإنسانية، ونرى كيف كان للوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فضل كبير في غرس هذا المفهوم منذ البدايات الأولى للاتحاد، ومن ثم نبحث عن أصول هذا المفهوم في أدبيات الإدارة الحديثة، لكي يمكننا التركيز أكثر على تبيان مفهوم التعليم المستدام الجدير بتحقيق التنمية المستدامة، ثم نتناول تجربة جديرة بالالتفات والاقتداء في هذه العلاقة الوثيقة بين التعليم والاستدامة.



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved