آخبار عاجل

رائد التعليم وزايد الاستدامة.. بقلم: د. منصور العور

11 - 01 - 2025 12:04 2

في الحكاية الشعبية المعروفة أن الملك رأى عجوزاً يغرس فسيل نخل، فسأله الملك: كم عمرك؟ قال: ثمانون، فقال الملك: أتغرس فسيلاً في الثمانين، متى ستأكل من ثمره؟ فأجاب العجوز: غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون، فأعجبت إجابته الملك فأعطاه ألفاً، فقال العجوز: ما أعجل ثمر هذه النخلة! فأعطاه ألفاً ثانية، فقال: ما أعجب هذه النخلة، أثمرت مرتين في أول عام، فأعطاه ألفاً ثالثة.

الاستدامة هي مبدأ لا يشمل الحفاظ على البيئة فحسب، بل يشمل أيضاً الفوائد طويلة الأجل للمجتمع والأجيال القادمة. وتوضح هذه القصة في المقدمة ذهنية الاستدامة والتنمية المستدامة، وتسلط الضوء على مزاياها. والرمز الرئيسي في هذه الرواية وهو النخل لم يكن بالصدفة ولم يأتِ من فراغ، لكنه يحمل أهمية عميقة كأوضح مثال على جوهر الاستدامة، ذلك أن هذه الشجرة لا تعود ثمارها وفوائدها على زارعها فقط، بل تمتد إلى أجيال وأجيال، ما يعني أنها استعارة معبرة أجمل تعبير عن الإنسان حين يترك وراءه أثراً مستداماً وإرثاً يمتد به الزمن.

كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، يرى أن النخل رمز أصيل للهوية الإماراتية عبر التاريخ، وقد كان، رحمه الله، يراها شجرة نشأت أجيال إماراتية كاملة في ظلالها، وهكذا فلم تكن رؤيته لتلك الشجرة الضاربة جذورها في مكونات الهوية الإماراتية مشروعاً زراعياً، بل ابتكار لمفهوم حضاري من أعماق الأصالة، وبقيادة الشيخ زايد جرى استصلاح مساحات شاسعة من الصحراء، وأي مشروع استدامة يمكنه أن يماثل هذا المشروع الهائل، وأي إنجازات مستدامة يمكنك مقارنتها بإنجازات هذه الرؤية التي استشرفت المستقبل، والتي حولت الأراضي القاحلات إلى واحات زاخرة بالخصب والعطاء والحياة؟

تدفعنا قصة مقدمة هذه المقالة إلى التفكير في ما يوازي شجرة النخيل في قدرتها على التأثير المستدام، ولا يمكننا أن نعثر على مجال من مجالات النشاط الإنساني أبعد أثراً وأعظم قدراً وأطول أجلاً من التعليم، فكما هي شجرة النخيل غذاء ومنافع عديدة، كذلك التعليم غذاء للنفس والروح والفكر، وتوفير للمعارف والمهارات التي تبقى مع المرء طيلة حياته، وتعود عليه ثمراتها بالفوائد الجمة، وتزوده بالأدوات اللازمة للازدهار والتكيف مع الظروف والتحديات. إنه أساس للنمو المستدام والابتكار وتنمية المجتمعات.

وهنا أيضاً كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان رجل التعليم والتخضير ورائد التعليم وزايد الاستدامة قبل أن تُعرَف الاستدامة، ذلك أن قيادة الشيخ زايد في هذا المجال تجسد ذلك الانسجام التام والتوازن الدقيق بين الاستدامة والتقدم، وكما اختط لنفسه خط الحفاظ على أصالة كل ما هو عريق وضارب الجذور في الهوية الإماراتية، بشهادة عالمية لا تضارع ولا تضاهى في هذا المجال، فقد أولى التحديث والتطوير والإبداع والتغيير عنايته ورعايته أيضاً.

ولقد أعلى، رحمه الله، هذه المبادئ قبل وقت طويل من الاعتراف بها على نطاق واسع، ما عزز دوره رائداً عالمياً يشار له بالبنان في مجال الاستدامة، وستبقى رؤيته ملهمة الأجيال في بناء قيم الاستدامة، ما يضمن إرثاً خالداً من النمو والازدهار، وانظر إلى المكتسبات الوطنية التي تحققت ارتكازاً إلى هذا الإرث الضخم.

إن التعليم هو بذرة الاستدامة التي لا يتوقف أثرها عند حدود الحاضر، بل يمتد ليصل إلى المستقبل، ويُحدث تحولاً عميقاً في حياة الأفراد والمجتمعات.

وقد أدرك المغفور له الشيخ زايد، رحمه الله، أن الاستثمار في التعليم هو أعظم استثمار يمكن أن يقدمه أي قائد لشعبه، فالتعليم لا يقتصر على المعرفة وحدها، بل هو قوة تُمكّن الإنسان من مواجهة التحديات، وصناعة الفرص، وبناء مستقبل أفضل للجميع بلا استثناء؛ ولذا كان التعليم حجر الأساس في نهضة دولة الإمارات، فكان لزايد، رحمه الله، فضل تشييد المدارس والجامعات، وتشجيع المواطنين على إرسال أبنائهم وبناتهم إلى المدارس والجامعات، وتوفير البعثات التعليمية، وغرس ثقافة البحث والتطوير في المجتمعات المعرفية والأكاديمية.

وكما تُثمر النخلة عطاءً دائماً، فإن التعليم هو النخلة المعطاء التي تثمر وستبقى تثمر أجيالاً قادرة على تحقيق الاستدامة في كل المجالات. وفي المقالة القادمة، نقترب أكثر من مفهوم الاستدامة لنشهد نشوءه ونحدد تعريفه.



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved