منهجان اثنان ينظر من خلالهما المراقبون في العالم إلى عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للفترة الانتخابية الثانية، والتي بدأت رسمياً يوم الاثنين الماضي بتأدية اليمين الدستورية ثم إلقاء الخطاب الأول الذي حدد فيه بعض ملامح سياسته الداخلية والخارجية:
المنهج الأول: الذي يقارن فيه طريقة عمل ترامب مع المجتمع الدولي خاصة مع حلفائه الأوروبيين الغربيين الذين يشاركونه في الأفكار السياسية وفي مصادر التهديد الوطنية مثل:
الخطر الروسي في أوكرانيا والتي بسببها دعمت الدول الأوروبية كييف في حربها ضد روسيا، أو مصادر التهديد الدولية كما هو الحال مع توسع النفوذ الصيني يبدو شكله تجارياً اقتصادياً، ولكنه لا بدّ أن يلحقه بالنفوذ العسكري والأمني فمن دونه لا يمكن حماية النفوذ والمكتسبات العالمية.
والمنهج الثاني: عالمي أي الذي ترى فيه دول العالم عودته إما فرصة أو كما يحلو للبعض وصفه بالصفقة أو مصدر تهديد. هنا تأتي المهارة الدبلوماسية والقدرة على التعامل معه ربما لأن منطلقه واضح وهو المنطلق الاقتصادي الذي تعزز هذه المرة بحضور الزعامات لكبرى الشركات العالمية مثل إيلون ماسك ومؤسس شركة أمازون جيف بيزوس، ولأن كذلك العالم كوّن خبرته في التعامل معه خلال الفترة الرئاسية الأولى.
بالنسبة لي، سيكون المنهج الثاني هو الأكثر اعتماداً في الإدارة الأمريكية الجديدة في تعاملها مع دول العالم، بما فيهم الخصوم التقليديون مثل الصين وإيران وفق النظرية التقليدية في العلاقات الدولية التي آمن بها أحد العظماء السياسيين وينستون تشرتشل بأنه:
«لا عداء دائم ولا صداقة دائمة في السياسة وإنما هو مصلحة دائمة». وقد أكد الرئيس ترامب هذا السلوك من خلال تصريحين اثنين له بعد أداء اليمين الدستورية؛ التصريح الأول حول الدولة الأولى التي سوف يزورها فهو لا يمانع في أن يغير من العرف الدبلوماسي التقليدي إذا ما عرض عليه صفقة اقتصادية تحقق مصلحة للولايات المتحدة. والتصريح الثاني أبدى استعداده للحوار مع الإيرانيين إن رغبوا في ذلك.
العالم حالياً، بين حالة من القلق من عودة ترامب، وحالة من عدم الارتياح وهذا طبيعي. فحالة القلق مبنية على ما تحتفظ به الذاكرة العالمية من السلوك الاندفاعي في اتخاذ القرارات دون تحسب لأي تداعيات قد تحدث، ولدينا مثل في قراره في اغتيال قاسم سليماني.
أما عن حالة عدم الارتياح فلها جانبان الأول أن هذه هي الفترة الرئاسية الثانية والأخيرة له، والتي يُعرف عنها أنها أكثر تحرراً للرئيس الأمريكي وأقل انشغالاً بالانتخابات القادمة، وبالتالي يستطيع اتخاذ قرارات جريئة وحاسمة وهذا يخيف العالم. أما الجانب الآخر من حالة عدم الارتياح تلك الأوامر التنفيذية التي دشن بها ترامب عهده.
والتي يبدو أن بعضها ستخلق نقاشات حادة في الداخل مثل قرار عدم الاعتراف بجنسية مواليد أمريكا ما لم يكن الوالدان مقيمين في أمريكا وكذلك قرار إيقاف «هندسة» الجنس. وعلى المستوى الخارجي إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم وغيرها من القرارات.
المهتمون بالسياسة الدولية لا يعوّلون كثيراً على الوعود السياسية والتصريحات التي يطلقها أي رئيس في العالم خلال فترة الانتخابات، بل يؤكدون دائماً على الهدوء والواقعية في تبني قرارات خارجية لأن المتغيرات على الأرض تختلف عما هي أثناء الانتخابات. لذلك، فإن التقييم الأولي للرئيس الأمريكي ومنهم دونالد ترامب ستكون خلال المئة يوم الأولى، حيث ستتضح معالم رئاسته بشكل أكبر، وعلى أساسها يتم ترتيب الأولويات وطرق التعامل مع إدارته.
سيبقى المتغير الاقتصادي والصفقات هي «القاطرة» التي تقود السياسة الخارجية الأمريكية خلال فترة الرئيس ترامب الثانية، ولكن هذا لا يعني أن الطريق أمامه سيكون ممهداً لمدة أربعة أعوام، فأساليب العرقلة السياسية في العلاقات الدولية متعددة أقلها: التلكؤ في التفاعل مع رغباته لتغير الوضع القائم.