آخبار عاجل

الشراكة الخليجية الأوروبية.. ركيزة لعالم أكثر استقراراً.. بقلم: د. جورج بوستين

24 - 01 - 2025 5:29 5

في ظل التحولات الجيوسياسية الكبرى والتحديات الاقتصادية المتزايدة يظهر العالم اليوم في حاجة ماسة إلى شراكات استراتيجية، تحقق التوازن والاستقرار، وهو أمر ينطبق على العلاقة الخليجية - الأوروبية، التي تشكل نموذجاً واعداً لهذا النوع من التعاون؛ حيث تتيح هذه العلاقة للطرفين فرصاً استثنائية، تسهم في تعزيز المصالح المشتركة ومواجهة التحديات الإقليمية والدولية على حد سواء، فأوروبا اليوم تواجه واحدة من أعقد المراحل في تاريخها الحديث، حيث تتداخل الأزمات الاقتصادية والأمنية لتشكل تحدياً كبيراً للاتحاد الأوروبي، إلى جانب الضغوط الاقتصادية الخارجية، التي تواجهها أوروبا، وتتمثل في المنافسة التجارية الشرسة مع الصين وسياسات الحماية الأمريكية المتزايدة، مما يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي.

في المقابل يسعى الخليج للحفاظ على توازن استراتيجي في علاقاته مع الولايات المتحدة والصين، ومن المتوقع أن يتبنى نهجاً مشابهاً في علاقاته مع أوروبا؛ فالتقارب السياسي والاقتصادي بين الطرفين سيكون في مصلحة الجانبين، حيث يمثل ظهور أوروبا كقطب مستقل ضرورة لتحقيق الاستقرار العالمي.

ومن أبرز هذه التداعيات التي تواجه أوروبا اليوم، إلى جانب الضغوط الاقتصادية الصعبة الحرب في أوكرانيا؛ حيث دفعت الحرب في أوكرانيا دول أوروبا إلى زيادة إنفاقها العسكري بشكل غير مسبوق، ما أدى إلى استنزاف الموارد المخصصة للتنمية والاستثمار في القطاعات الحيوية، فضلاً عن أزمة الطاقة، التي تفاقمت مع وقف استيراد الغاز الروسي، إذ شهدت أوروبا ارتفاعا حاداً «غير مسبوق» في تكاليف الطاقة، وهو ما أثر سلباً على قطاعات اقتصادية رئيسية، وأضعف قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية.
شريك استراتيجي
في مواجهة هذه الأزمات يبرز الخليج العربي كشريك لا غنى عنه لأوروبا، بفضل إمكاناته الاقتصادية وقدرته على تلبية الاحتياجات الملحة؛ إذ تمتلك دول الخليج صناديق ثروة سيادية تُعد من بين الأكبر عالمياً، حيث تُقدر أصولها بحوالي 4.4 تريليونات دولار، ما يُعادل 34 % من مجموع أصول أكبر 100 صندوق ثروة سيادي في العالم، وفقاً للأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، جاسم محمد البديوي. علاوة على ذلك بلغ حجم الاستثمارات الخليجية في دول الاتحاد الأوروبي نحو 306 مليارات يورو عام 2023، في حين ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر الأوروبي في دول الخليج إلى 442 مليار يورو خلال عام 2024، بحسب المتحدث باسم مفوضية الاتحاد الأوروبي لشؤون التجارة والزراعة، أولوف جيل.
كما أن الخليج يمثل مصدراً موثوق للطاقة متمتعاً بقدرة استثنائية على توفير احتياجات أوروبا من الطاقة، سواء التقليدية أو البديلة، خصوصاً أنه في ظل سعي أوروبا للتحول نحو الطاقة النظيفة يمكن لدول الخليج أن تكون شريكا رئيسياً بفضل استثماراتها المتزايدة في الطاقة الشمسية والهيدروجينية، وغيرها.
تتجاوز الاقتصاد
وتكتسب العلاقات بين الخليج العربي وأوروبا أهمية متزايدة لكلا الطرفين في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة، فمع اشتعال الصراعات في المنطقة، التي لا تهدد استقرار الشرق الأوسط فحسب، بل تمس أوروبا أيضاً، بات أمن الخليج واستقراره وازدهاره عاملاً محورياً، له تداعيات مباشرة على الاتحاد الأوروبي. هذا الأخير يعاني من تبعات تلك الصراعات، ولا سيما من موجات الهجرة التي أفرزتها.
إلى جانب ذلك برزت دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات الأخيرة كوسيط دبلوماسي فاعل في عدد من الملفات الإقليمية والدولية، لا سيما في الحرب في أوكرانيا. وقد قادت دولة الإمارات جهوداً حثيثة للوساطة بين بين روسيا وأوكرانيا، معلنة عن نجاح العديد من عمليات لتبادل أسرى الحرب، شملت 2,583 أسيراً من الجانبين، علماً أن جهود الوساطة الإماراتية نجحت حتى الآن في إتمام 11 عملية تبادل أسرى حرب بين روسيا وأوكرانيا، هذا النجاح لا يعكس فقط التزام الخليج بدوره في تعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي، بل يظهر أيضاً الإمكانات الكبيرة التي يمكن تسخيرها للمساهمة في إيجاد حلول سياسية مستدامة للأزمات المعقدة.
منافع متبادلة
ولا تعتبر بالطبع الشراكة الخليجية - الأوروبية مجرد ضرورة لتجاوز الأزمات الحالية، بل تمثل استثماراً استراتيجياً في مستقبل مشترك، يقوم على التنمية المستدامة والاستقرار، الذي يهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار الدولي عبر الإسهام في صياغة سياسات تدعم الاستقرار الإقليمي، خاصة في الشرق الأوسط، من خلال التوسط لحلول سلمية مستدامة للنزاعات، وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى تقرير «دراغي»، حيث تحتاج أوروبا إلى استثمارات بقيمة 800 مليار يورو سنوياً لاستعادة حيويتها الاقتصادية، كما يمكن للشراكة مع الخليج أن تسهم في تحقيق هذا الهدف، بما يخدم المصالح المشتركة، والعمل على بناء توازن استراتيجي عالمي؛ فمع ظهور أوروبا كقطب مستقل عن النفوذ الأمريكي والصيني يمكن لدول الخليج الاستفادة من هذا التحول لتعزيز التوازن في علاقاتها الاستراتيجية مع القوى العالمية الكبرى.
إن الشراكة بين أوروبا والخليج العربي تمثل فرصة استراتيجية لا تعوض لبناء عالم أكثر توازناً واستقراراً؛ فالخليج بثرواته الطبيعية وقدراته الاستثمارية وأوروبا بإمكاناتها التكنولوجية والاقتصادية قادران على بناء نموذج تعاون، يسهم في معالجة التحديات المشتركة وتحقيق تطلعات الشعوب نحو مستقبل أفضل، وهو ما يسهم في تحقيق مصالح اقتصادية أفضل، وضمان استدامة الاستقرار العالمي، وهو هدف يخدم الطرفين، ويُعزز من مكانتهما على الساحة الدولية.



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved