آخبار عاجل

الليرة السورية بعد حذف الأصفار: ولادة جديدة أم وهم اقتصادي؟.. بقلم دكتور محمود مفيد عبد الكريم

26 - 08 - 2025 12:32 125

 خلال 14 العام الماضي عانى الاقتصاد السوري الكثير من الازمات مما أثر سلبا على الليرة السورية و افقدها قيمتها و أصبحت عملة غير مرغوب الاعتماد عليها نتيجة حالة التذبذب الاقتصادي التي تعرضت لها سورية, و في بداية انطلاق الثورة السورية كان سعر صرف الدولار مقابل الليرة يساوي 50 ليرة سورية ,ومع الأيام الأولى من التحرير وصولا الى سقوط النظام  وصل سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار في السوق السوداء الى ذروته 24 الف ليرة سورية مقابل دولار واحد .

 

و قد أوضحت الإحصاءات ان نسب التضخم التراكمية بين عامي 2011-2023 وصلت الى 16137.32%, وهذا يعني أن الاسعار أرتفعت خلال أثنى عشر سنة بأكثر من 161 مرة, ومتوسط التضخم السنوي بحسب اليونيسف المبني على إحصاءات من المكتب المركزي للإحصاء ساوى ارتفاع نسب التضخم لكل عام 47% بين عامي 2011-2022.

 

وبحسب مؤشر Hanke’s Inflation Dashboard احتلت سوريا المركز الثاث كأعلى دولة في نسب التضخم.

 

و حيث ان سوء الأوضاع الاقتصادية و ارتفاع نسب التضخم كان نتاج الحرب الاهلية و توابعها وسوء إدارة الحكومة لموارد البلد الاقتصادية و استخدمها بما يصب في مصلحة النظام البائد فقط , و قد بدا ذلك جليا عندما تم استخدام احتياطي القطع الأجنبي المقدر 24 مليار دولار بطريقة اعتباطية و غير مدروسة لسد الفجوة الكبيرة في الطلب على القطع الاجنبي في السوق نتيجة حالة عدم الاستقرار و انعدام الثقة في الليرة السورية من قبل السوريين.

و مع بداية 2025 اظهرت التقديرات ان احتياطي القطع الاجنبي يصل الى 200 مليون دولار. إضافة لذلك فإن احتياطي الذهب و على الرغم من ضاءلته والذي يتم تقديره بشكل رسمي يمثل وسادة مالية مهمة تلعب دور رئيسي في دعم الثقة في العملة اذا ترافق بإصلاحات اقتصادية جادة.

حيث أن قرار حذف صفرين من العملة السورية هو خطوة جيدة نحو تصحيح اقتصادي للعملة بشكلها الاسمي وليس بالشكل الفعلي  لكن لاشك ان هذه الخطوة سيكون لها تأثير على الشكل الفعلي للعملة المتمثلة بقوة الليرة السورية اذا تزامنت او سبقت هذه العملية حزمة إصلاحات اقتصادية ومالية ونقدية متكاملة لأنه  في بعض الاحيان يرتد هذا التصحيح الذي يقاد بحذف الاصفار الى اثار سلبية إذا لم يترافق بإصلاحات اقتصادية ملموسة تتمثل  بضبط الكتلة النقدية و ضبط الموازنة العامة, و إعادة بناء الاحتياطات الأجنبية وإعادة هيكلة المصارف العامة والخاصة و تشديد الرقابة المصرفية و مكافحة غسيل الاموال و تطوير ادوات دفع الكترونية التي تقلل من التداول النقدي الكبير الذي يغذي التضخم , و اهم خطوة هي إصلاح السياسة التجارية و تحفيز الانتاج المحلي  من خلال التشجيع على الانتاج الزراعي و الصناعي ودعمه.

حيث ان نسب نجاح هذه الخطوة مرتبط بشكل كامل بضبط العجز المالي , واستقرار السياسية النقدية ,  ووجود احتياطات اجنبية و استعادة الثقة الداخلية و الخارجية بالاقتصاد الوطني  أذا توافرت هذه الظروف فان التجارب التي طبقت من قبل دول اخرى اثبتت نجاعتها بنسبة 70% .

و بالنسبة للتجارب الفاشلة فشكلت تقريبا 80%-90% من الحالات التي طبق فيه حذف الأصفار من دون ان يرافقها إصلاحات و انتهى بها المطاف بمجرد تجميل محاسبي قصير الأمد بلا أثر فعلي.

حيث ان نتيجة حذف الاصفار على المواطنين يتمثل من ناحية تبسيط الارقام بعد حذف الصفرين ليصبح اكثر وضوحا و اسهل حسابيا و يعيد بعض الثقة بالليرة السورية . إضافة الى ذلك أن انخفاض التضخم من مستويات فاقت 100% في عام 2023 و ما يقارب 50% في علم 2024 و من ثم الى الحد الادنى في عام 2025  يعني أن الاسعار اصبحت ابطئ بارتفاعها و أكثر قابلية للتوقع و هذا يمنح شعورا انيا بالاستقرار في القوة الشرائية لليرة السورية.

أما بالنسبة للاقتصاد السوري فتبسيط عملية حذف الاصفار سوف يساعد في ضبط السياسة النقدية ,  وخاصة إذا ترافق مع وقف طباعة للعملة و ضبط العجز المالي و ما ينتج عن ذلك يصب في مصلحة قطاع الاستثمار من خلال استفادة  المستثمر الاجنبي و المحلي من وضوح الأرقام و الاستقرار النسبي لليرة السورية , مما يسهل تقدير التكاليف و العوائد . ومع عودة الثقة في العملة المحلية سوف يتراجع الاعتماد على الدولار و هذا ما يدعم السيادة النقدية .

و بناء على ما سبق فان الخيار أمام سوريا اليوم يضع العملية الوطنية في اختبار مصيري , و حذف الأرقام ممكن ان يكون خطوة فارقة تفتح الابواب امام المسارات الصحيحة التي تعيد الاستقرار و تخفف التضخم و تمنح الاقتصاد فرصة نادرة للنمو, لكنه قد يتحول هذا المشهد الى مجرد تغيير شكلي اذا لم يترافق مع انضباط مالي و نقدي على ارض الواقع . ان النجاح مرهون بوقف طباعة النقود و توحيد الصرف و مكافحة الفساد و جذب دعم خارجي عندها فقط ممكن ان تتحول هذه الخطوة من عملية تجميل للأرقام لمحطة أساسية في إعادة بناء الاقتصاد السوري.

 

 

 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved