آخبار عاجل

تعافي هشّ في اقتصاد سوريا: البنك الدولي يوصي بإصلاح الدعم وتمكين التمويل المحلي.. بقلم:د.محمود مفيد عبد الكريم

14 - 10 - 2025 9:33 61

 

تحليل اقتصادي – استنادًا إلى تقرير البنك الدولي لعام 2025

د.محمود مفيد عبد الكريم

أعلنت البوابة الصحفية للبنك الدولي في 7 يوليو 2025 عن التقرير الذي يتناول التوقعات الاقتصادية لسوريا لعام 2025.، طرح البنك الدولي لتوّه توقعه بأن الاقتصاد السوري قد يشهد نمواً بحدود 1 ٪ خلال العام، بعد أن سجل في 2024 تراجعًا يُقدّر بـ -1.5 ٪. هذه الإشارة إلى تحول من الانكماش إلى النمو، إن كانت صحيحة ، تمثل نقطة تحول رمزية بعد سنوات من الأزمات المتراكمة. لكن توصيف البنك لهذا المسار بـ “تعافي محدود” يستحق تأملًا نقديًا: ما معنى هذا التعافي؟ وما مدى صلابته؟ وما المخاطر التي تحيط به؟

  • المعدل السنوي للنمو: توقع البنك الدولي أن ينتقل الاقتصاد السوري من انكماش -1.5 ٪ في 2024 إلى نمو 1 ٪ في 2025، وهو أعلى أول معدل إيجابي منذ سنوات ( وهنا الافتراض باستمرارية الشروط).
  • سعر الصرف والتضخم: انخفضت الليرة السورية بشدة خلال السنوات الأخيرة، ويقدّر أن الانخفاضات المتتالية أدّت إلى ارتفاع كبير في الأسعارو معدلات التضخم السنوية تجاوزت أحيانًا 80-90 ٪ في فترات السابقة.
  • الإيرادات والإنفاق الحكومي: الإيرادات الحقيقية للحكومة انخفضت بشدة، فيما تقلّصت القدرة على تمويل المشاريع العامة أو تقديم دعم اقتصادي موسع، نتيجة ضغوط السيولة والتمويل.
  • المساعدات الخارجية والتدفقات الإنسانية: انخفاض ملحوظ في التدفقات الخارجية لمشروعات الإغاثة والبنية التحتية، مما يعوق قدرة الحكومة على النهوض في قطاعات حيوية كالطاقة والنقل والخدمات الأساسية.

عندما يتحدث البنك الدولي عن نمو 1٪، فذلك يعني أن حجم الناتج المحلي الإجمالي (أي القيمة الإجمالية لما تنتجه البلاد من سلع وخدمات) سيرتفع قليلًا مقارنة بالعام الماضي. على سبيل المثال، إذا كان الناتج الإجمالي السوري في 2024 يقدّر بنحو 26 مليار دولار أميركي بالقيمة الحالية، فإن النمو 1٪ يضيف فقط حوالي 260 مليون دولار إلى الاقتصاد  وهي زيادة محدودة جدًا لا تكفي لتعويض الخسائر الكبيرة السابقة.

أما الانكماش بنسبة 1.5٪ في 2024، فيعني أن الاقتصاد فقد ما يقارب 390 مليون دولار من قيمته مقارنة بعام 2023. وبالتالي، فإن النمو المتوقع في 2025 بالكاد يعيد جزءًا بسيطًا من تلك الخسارة، دون أن يغيّر الوضع العام من الركود إلى الانتعاش الحقيقي.

وعندما أشار البنك الدولي إلى ارتفاع الليرة بنسبة 29٪ وتراجع التضخم، فذلك لا يعني تحسّنًا فعليًا في الأسعار؛ بل يعني أن وتيرة ارتفاع الأسعار أصبحت أبطأ. فعلى سبيل المثال، إذا كانت سلة السلع الأساسية تكلف 100 ألف ليرة في عام 2023 وأصبحت تكلف 190 ألف ليرة في 2024، فإن التراجع في معدل التضخم في 2025 يعني أن السلة نفسها قد تكلف 210 آلاف ليرة فقط، أي أن الأسعار ما زالت ترتفع ولكن بوتيرة أقل.

كما أن عودة نحو 2.6 مليون سوري بعد الاستقرار النسبي في بعض المناطق ساهمت جزئيًا في زيادة الطلب المحلي على السلع والخدمات، ما دفع بعض الأنشطة الصغيرة للانتعاش، خاصة في الزراعة والتجارة الداخلية، لكنها في المقابل زادت الضغط على الموارد الشحيحة، خصوصًا الكهرباء والمياه والمشتقات النفطية.

تحليل التوصيف “تعافي محدود

  1. نموٌ تقني وليس جذري
    النمو المتوقع بواقع ~1 ٪ في 2025 ليس طفرة استثمارية أو تحولًا هيكليًا، بل نتاج إعادة إنتاج بعض النشاط الاقتصادي المتعطّل أو الأقل كلفة (الزراعات، إعادة الإعمار الأصغر، بعض التجارة الحدودية). لكن القطاعات الثقيلة والصناعات الكبرى تحتاج رأس مال مجدّد واستثمارات ضخمة—وهي غير متوافرة بسهولة.
  2. ضعف في قوة الدفع الوقائية
    الحكومة عاجزة حاليًا عن تحفيز اقتصادي قوي بسبب ضعف مواردها المالية المحدودة. كما أن القروض أو التمويل الخارجي، إن وجد، غالبًا ما سيكون مشروطًا وإما يُعقّد المسار التنموي أو يُلزم إصلاحات مؤلمة.
  3. تآكل الدخل الحقيقي
    مع استمرار التضخم وتقلبات سعر الصرف، تعاني الأسر من تآكل القوة الشرائية. حتى إن نما الناتج الإجمالي، من المحتمل أن العوائد لن تترجَم إلى تحسن ملموس في معيشة الغالبية. فأسرة متوسطة تحتاج اليوم إلى أكثر من 10 ملايين ليرة سورية شهريًا لتغطية نفقاتها الأساسية، في حين لا يتجاوز متوسط الدخل الشهري 1.5 إلى 2 مليون ليرة، أي أن الفجوة بين الدخل وتكاليف المعيشة تصل إلى أكثر من خمسة أضعاف.
  4. التعافي هشّ أمام الصدمات
    الاقتصاد سيكون معرضًا لأي صدمة خارجية  ارتفاع أسعار الطاقة، تذبذب أسعار الغذاء، تصاعد النزاعات الأمنية أو العقوبات. قد تُرجع أي موجة سلبية الاقتصاد إلى الانكماش مجددًا.

وفي المقابل، قدّم البنك الدولي مجموعة من التوصيات العملية التي يرى أنها أساسية لتقوية مسار التعافي وجعل النمو أكثر استدامة وعدالة. هذه التوصيات، رغم بساطتها من حيث المبدأ، تتطلب تغييرًا تدريجيًا في هيكل السياسة الاقتصادية السورية.

 

إصلاح تدريجي لسياسة الدعم

يؤكد البنك الدولي أن سياسة الدعم الشامل لم تعد قابلة للاستمرار في ظل تقلّص الموارد المالية الحكومية. ويوصي باستبدالها بنظام دعم موجه للفئات الأشد فقرًا، عبر تحويلات نقدية شهرية مباشرة تُصرف للأسر المستحقة بناءً على سجل اجتماعي محدث.

ويشرح التقرير أن هذا النوع من الدعم أكثر عدالة وكفاءة، لأنه يضمن وصول الموارد لمن يحتاجها فعلًا، ويقلّل الهدر والفساد المرتبطين بالدعم السلعي العام. على سبيل المثال، إذا خصصت الحكومة مليار ليرة لدعم الخبز، فإن أكثر من نصف هذا المبلغ غالبًا ما يستفيد منه غير الفقراء أو يتم تهريبه، بينما يمكن للمبلغ نفسه أن يموّل تحويلات نقدية منتظمة لـ200 ألف أسرة فقيرة.

 

تحسين بيئة التمويل والسيولة

يشير البنك الدولي إلى أن أحد أهم أسباب بطء التعافي هو غياب التمويل المحلي الكافي. فالنظام المصرفي ما زال يعاني من ضعف السيولة، وارتفاع نسب التعثر، وتراجع الإقراض المنتج. لذلك، يدعو التقرير إلى إطلاق برامج قروض ميسّرة تستهدف المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مع ضمانات جزئية من مؤسسات دولية لتقليل المخاطر.

كما يقترح تطوير بنية المدفوعات الرقمية وإدخال محافظ إلكترونية تتيح تسهيل التعاملات الصغيرة والرواتب والتحويلات الاجتماعية، بما يعزز الشمول المالي ويقلل التعامل بالنقد.

ويشير التقرير إلى أن تنشيط هذا القطاع يمكن أن يخلق آلاف فرص العمل الجديدة ويُنعش قطاعات التجارة والصناعة والخدمات، لأن المشاريع الصغيرة هي العمود الفقري لأي اقتصاد في طور التعافي.

إعادة إعمار مستهدفة للبنية التحتية

يعتبر التقرير أن الاستثمار الذكي في البنية التحتية المنتجة هو الطريق الأسرع لتحريك الاقتصاد. فإعادة تأهيل الكهرباء والمياه والنقل لا تقتصر على تحسين الخدمات فحسب، بل تخفض تكاليف الإنتاج على القطاع الخاص وتعيد تحريك عجلة الصناعة والزراعة.

ويضرب البنك مثالًا عمليًا: في حال تمكّنت الحكومة من زيادة ساعات التغذية الكهربائية بمعدل 20٪ فقط، فإن الناتج الصناعي قد يرتفع بنسبة مماثلة خلال عام واحد، مما يعني زيادة ملموسة في الناتج المحلي الإجمالي وتشغيل آلاف العمال.

ولهذا أوصى التقرير بتوجيه التمويل الخارجي القليل المتاح نحو مشاريع ذات عائد اقتصادي سريع مثل إصلاح شبكات الكهرباء، وصيانة محطات المياه، وتطوير الطرق التجارية الرابطة بين المحافظات والأسواق الحدودية.

إشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص

شدّد التقرير على ضرورة الابتعاد عن مركزية القرار الاقتصادي، داعيًا إلى اعتماد مقاربة “المحليات أولًا”، بحيث تُمنح كل محافظة مرونة في وضع خطتها التنموية بالتعاون مع غرف التجارة والصناعة والجمعيات الأهلية.

هذه المقاربة، بحسب البنك، تسمح بتصميم حلول اقتصادية واقعية تتناسب مع خصوصية كل منطقة: الزراعة في درعا، الصناعة في حلب، الخدمات والسياحة في دمشق وحمص. وهو نهج ثبتت فعاليته في بلدان خرجت من نزاعات مشابهة مثل العراق والبوسنة.

ضمان مرونة في السياسات المالية

الاقتصاد السوري، بحسب التقرير، سيظل معرضًا للصدمات الخارجية – سواء ارتفاع أسعار الطاقة العالمية أو تقلّبات الإمدادات الغذائية أو الكوارث المناخية. لذلك، يدعو البنك إلى بناء ما يسميهشبكات أمان ماليةتشمل صندوق استقرار مالي واحتياطيات طوارئ تستخدم لمواجهة الأزمات الطارئة دون تعطيل الخدمات العامة أو اللجوء إلى تمويل تضخمي.

كما يقترح إنشاء ترتيبات تمويل طارئة مع شركاء دوليين تُفعّل تلقائيًا عند وقوع كوارث طبيعية أو أزمات إنسانية، لضمان استمرار تقديم الخدمات الحيوية.

 

توقّع البنك الدولي لنمو 1 ٪ في 2025 يُعد إشارة إيجابية رمزية، لكنه بعيد كل البعد عن أن يكون تحولًا جذريًا في نشاط سوريا الاقتصادي. “تعافي محدود” هو وصف دقيق — فقد يكون بداية لتجاوز الانكماش، لكنه ليس ضامنًا لمعافاة شاملة.
الفرق بين “نقطة ارتكاز مؤقتة” و”قفزة تنموية” يتوقف على القرارات التي تُتّخذ الآن: في السياسة المالية، في استقرار الأمان، في إعادة بناء البنى التحتية، وفي جذب الثقة للاستثمارات. إذا فشلت هذه العناصر في الترسّخ، قد ينهار التعافي قبل أن يلمَس.

 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved