بقلم الكاتب: خليل الذوادي
........................................
ليس مستغربًا أن تشعر وأنت تجلس في أحد مقاهي سيدنا الحسين بأحد أحياء القاهرة بجمهورية مصر العربية بأنك تعيش مع الناس البسطاء، فتزول الألقاب، وتختفي الوظائف، وتعيش لحظات التجلي مع النفس، وتعيش حياتك الطبيعية، تشرب الشاي الكوشري أو «الأرفة السادة» أو «الأرفة بالليمون» أو أنواع العصائر، و«الرز باللبن»، كما يمكنك أن تطلب أنواعًا من مأكولات اللحوم والطيور وتقضي الوقت بتناول أنواع المكسرات.
ولا عليك إن لم تجد بغيتك في المقهى الذي جلست فيه، فبالتفاهم العاملون في المقاهي ممكن أن يحضروا إليك ما تطلبه من المقاهي والمطاعم المجاورة، بما فيها «الفول» و«الطعمية»، وما عليك إلا أن تنادي أحد العاملين وإذا بطلبك بعد دقائق يكون حاضرًا..
وإذا كنت ممن يقتنون مستلزمات وسائل التواصل الاجتماعي، فستجد أحد البائعين الجائلين ممن يستطيع تلبية طلبك من البضاعة الأصلية أو المقلدة وبأسعار تفضيلية، وأنت وشطارتك، والأفضل طبعًا أن يكون معك من خبر السوق ويستطيع أن يحصل على أحسن الأسعار، أما إذا كنت ممن يهتمون بالوقت واقتناء ماركات الساعات فستجد ما يروق لك من ساعات رجالية ونسائية مع التأكيد عليك أن مثلها لم ينزل السوق بعد، أما إذا كنت ممن يعشقون أنواع العطور فستجد فتيات في عمر الزهور يقدمون إليك ماركات العطور التي سمعت عنها وما لم تسمع عنها بأغلفة أنيقة وجميلة وتفاجأ بأنك ملأت حقائبك بأنواع العطور، فالأسعار في متناول اليد، ولا تسأل عن براءة الاختراع وحقوق الملكية الفكرية أو الصناعية؛ فقد أصبحت الأسعار هي التي تتحكم في السوق العالمية «ولولا اختلاف الأذواق لبارت السلع».
وإذا كنت من هواة الطرب فستجد من يقدم إليك أعذب الألحان لمطربي الزمن الجميل، والأغاني بأنواعها متوافرة حسب ذوق «السميعة»، ومن خلال ما يقدم من ألحان وأغانٍ تستطيع التعرف على جنسية مرتادي المقاهي من مختلف بلداننا العربية وكأنك تستمع إلى برنامج ما يطلبه المستمعون على الهواء مباشرة. كما يمكنك شراء مختلف المستلزمات المنزلية من اكسسوارات وملاحف، وملابس رجالية ونسائية وللأطفال، وأنواع مختلفة من الجلديات، فبجلوسك لدقائق وساعات ستجد كل ما تطلبه وأنت جالس وتتسامر مع الأصدقاء أو الأهل، وعليك أن تتريث في الشراء فالمعروض كثير والأسعار في المتناول، وستظل عمومًا بحاجة إلى «الاستعانة بصديق» يعرف جيدًا متطلبات السوق.
لحظات الجلوس في مقاهي الحسين لا تعادلها أي لحظات قد تقضيها في أرقى المقاهي والمطاعم، فلكل الجو الذي يروق له والمناسبة التي أنت عليها. وميزة الجلوس في هذه المقاهي أن الوقت يمر عليك سريعًا وأنت لا يمكن أن تكون محبطًا أو متكدرًا، فإن من يمر عليك يدرك أنك تفكر في أمر ما يشغل بالك، فيتبرع من تلقاء نفسه بإلقاء نكتة أو مداعبة أو تعليق ظريف سرعان ما تزول عنك حالة السرحان وتقطيب الجبين..
قد تتعرض في جلوسك إلى مواقف ولكنك بروحك الرياضية تستطيع تجاوزها، خصوصًا إذا أدركت نية وسريرة من سبب لك ربما إزعاجًا، فهو بنية صافية أقدم على تصرف ما وسرعان ما يعود فيعتذر لأنه لم يقصد الإيذاء وأن نيته صافية.
من المواقف الظريفة أن أحد الزملاء ممن يعشقون مقاهي سيدنا الحسين حتى النخاع قدم إليه أحد باعة الجلابيات الرجالية، وكون هذا الزميل ممن أكرمه الله بطولة البال أخذ يقلب المعروض عليه من الجلابيات، وفي الأخير لم يتفق هو والبائع على الأسعار، فما كان من البائع إلا أن قال: «قسمًا عظمًا كنت واثقًا أنك لن تشتري مني شيئًا، بس انت عامل منها أسأله»، فلم نملك يومها نفسينا من الضحك حتى البكاء، بينما مضى البائع لحال سبيله وحتى اليوم لم نره يأتي إلى نفس المقهى. ومن الطرائف أيضًا أني تواعدت مع الزميل أن نلتقي في المقهى الذي اعتدنا الجلوس فيه، فتأخر الزميل، وإذ أحد الباعة يأتي إليّ عارضًا بضاعته، فقلت له: «في الحقيقة أنا بانتظار زميلي وهو يعرف الأذواق وخبير في البضاعة ومُدرك للأسعار»، فقال لي: «سأعطيك أجمل الأشياء وبأقل الأسعار»، فقلت له: «انتظر فما هي إلا لحظات وزميلي سيكون هنا»، فذهب ولما عاد ورأى زميلي جالسًا معي قال: «الرزق على الله»، فتضاحكنا ولم نعد نرى هذا البائع يغشي المقهى..
الجلوس في المقاهي في بلداننا العربية فيه من الترويح عن النفس، وتبادل الآراء، والتبسط في أمور الحياة، وتجنب كل منغصات الدنيا، فقد أصبحت المقاهي بحي الحسين ملتقى الأحبة من أصدقاء الديرة، وأصدقاء الدراسة وأصدقاء العمل ومن زائري جمهورية مصر العربية من مملكة البحرين والخليج العربي وبعض البلدان العربية وبالطبع زملاؤهم من المصريين، والمرء منا بحاجة إلى الترويح عن النفس والتصرف بتلقائية وعفوية والابتعاد قليلاً عن هموم الدنيا وزحمة الحياة، والأهم الجلوس إلى من ترتاح نفسك إليهم والحديث معهم، والتصرف بعفوية المرء، بعيدًا عن كل ما يغلف شخصياتنا الحقيقية، ويجعلنا نتصرف بغير ما هي في ذاتنا والطبيعة البسيطة التي خلقنا الله جلت قدرته عليها.
وعلى الخير والمحبة نلتقي.