بقلم : سلوى المؤيد
لا يمكن أن نقارن بين وحشية الإنسان ووحشية الحيوان ..فالحيوان لا يتوحش ويقتل ضحاياه إلا إذا جاع ..ولو مر على ضحيته وهو في حالة شبع فإنه سيمرعليها دون أن يؤذيها .
أما وحشية الإنسان فهي مخيفة جداً عندما يفتقد صاحبها الضمير الحي النابع من تربية القيم الأخلاقية الفاضلة من رحمة وإنسانية وعدالة في نفسه وهو يكبر ..هذا الإنسان عندما يتعرض للقسوة والإغتصاب أوالإهمال من والديه مع تواجد الفقر والجهل ..أو الثراء والتدليل واهمال منحه العواطف الإنسانية الدافئة..سيتحول إلى شخص لا ضمير له أناني ..ويميل إلى تعذيب غيره وعدم الإحساس بمعاناة الآخرين.. أي إلى وحش انساني أكثر قسوة من الحيوان المتوحش.
إذن نحن بحاجة إلى القيم الإنسانية والأخلاقيه التي يدعونا الله إليها من خلال أديانه السماويهالثلاثة لإنه سبحانه هو الذي خلق الإنسان وهو أدري بما يحتاجه ليحدث التوازن بين جسده وعقله وروحه .. ليكون طيباً متسامحاً ومحباً لغيره فاعلاً للخير ..ألا توضح لنا الآيات ٧-١٠ القرآنية الكريمة من سورة الشمس " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ،قد أفلح من زكاها وقدخاب من دساها " حول كيفية اتجاه نفس الإنسان إلى الخير أو الشر ..إذا أتجه إلى القيم الأخلاقية والروحية فإنه سيرتقي روحياً في الدنيا وفي عالمه الروحي بعد الموت ..بعكس من يرتكب المعاصي بإشكالها المتعددة ويؤذي الآخرين بطمعه وجشعه فإن روحه ستشقى سواء هنا في الدنيا أو عندما ترحل إلى العالم الآخر ..ونوع الشقاء نفسي وروحاني لا علاقة له بماديات الحياة الأرضية أو جسده الأرضي وإنما بروحه ونفسه الخالدة.
لقد ابتعدت الكثير من النفوس في العالم عن الحب والرحمة واستبدت بها القسوة والوحشية..ورغم أننا نرى مظاهر التدين الشكلية قد ازدادت في عصرنا الحاضرفي الدول الإ سلامية إلا إننا لا نلمس رقياً دينياً وروحياً لدى الكثير منهم ..وإنما ما نراه في الغالب عدم التسامح وتكفير الآخرين ..وزيادة الإنحلال في المجتمعات العربية ..ونجد زيادة جرائم القتل ولإتفه الأسباب ..وكثيراً ما نسمع عن قسوة الآباء على أبنائهم وقسوة الأبناء على آبائهم ..وظلم الحكام في الدول العربية والإسلامية وغيرها لشعوبها واستيلائهم بجشع مخيف على المال العام وترك شعوبهم تتعذب بالفقر والجهل وفساد الحياة العامة..وكأنهم سيعيشون إلى الأبد ..واتسائل لمن ستظل هذه المليارات المسروقة من المال العام ..فالإنسان لن يأخذ ماله معه إلى العالم الآخر وإنما سيذهب خالي اليدين والمحظوظ من عمل الخير وارتقى روحياً ببساطة النفس وتسامحها وحبها للآخرين وإخلاصها في أداء وظائفهافي الحياة والتقرب رلى الله بالعمل الصالح.
لقد آلمني كثيراً قسوة أم مصرية لا يعرفها الحيوان مع أبنائه عندما قامت بضرب ابنتها التي لم تتجاوز السابعة من عمرها في بهوز ماء لإنها سكبت شاي على الأرض وشاركها زوج الأم بضربها إلى أن ماتت ثم قامت برمي ابنتها في النهر لتتخلص من جريمتها الوحشية ولم يقبض عليها إلا لإن أخت المقتولة هربت إلى والدها وأخبرته .. كيف يمكن لإم أن تفعل ذلك بإبنتها وما الذي جمد مشاعرها هكذا ؟
وهزت مشاعري بقوة مأساة يحدث مثلها كثيراً هذه الأيام ..حدثت في الهند حول اغتصاب ستة أشخاص لفتاة في الثالثة والعشرين من عمرها تدرس الطب .. لتموت تحت معاول وحشية اغتصاب هؤلاء الرجال الوحشيين الذين لم يكتفوا بجريمتهم الشنعاء وإنما رموها هي وخطيبها من الباص وماتت الفتاة المسكينة وفجعت عائلتها بمقتلها على يد هؤلاء الوحوش الآدمية.
مالذي يدفع هؤلاء الرجال إلى الإغتصاب ..هل هي المخدرات أو الإدمان على الخمور أو حياة شقية انعدمت معها ضمائرهم.
ومأساة أخري في البحرين لإم تدفع إبنتها وهي في التاسعة من عمرها وإبنيها اللذان لا يتجاوزان الثانية عشر والخامسة عشر إلى الدعارة لتحصل على المال منهم..أين ضمير هذه الأم وماذا فعلت بها الحياة ليموت ضميرها هكذا؟.
وما الذي دفع شاب في العشرين من عمره إلى قتل والدته ثم قتل عشرون طفلاً ومدرسة في مدرسة للأطفال في أمريكا ليقتل نفسه بعد ارتكابه هذه الجريمة البشعة ..ماهي هذه الظروف القاسية التي عاشها هذا الشاب التي محت الإنسانية في ضميره ودفعته إلى هذه الجريمة التي عذبت الأمهات والعائلات بلا سبب ؟..وأي روح متدنية يملكها هذا الشاب الذي سيحملها معه إلى العالم الآخر ليتعذب بها من جراء جرائمه ؟.
والواقع الذي لا يدركه الكثيرون أن حياة الإنسان بروحه وجسمه الأثيري متواصلة بعد الموت والحياة الدنيا و العالم الآخروجهان لعملة واحدة ،،لإن هذه الحياة هي جزءمن الحياة الأخرى التي سيعيشها الإنسان بعد الموت بجسمه الأثيري بعد أن يفارق جسده المؤقت الذي لا ينتمي إليه ..وسيواصل رحلة حياته بصورة أخرى يجنيها بما نمت عليه روحه في
الدنيا ..فمن سار على طريق الخير وتحلى بالأخلاق الفاضلة وتعلم علم نافع استفاد به في تنمية قدراته العقلية والفكرية والروحية ونفع به الناس بروحه الطيبة المحبة للخير المؤدية فروضها الواجبة عليها من رب العالمين من خلال كونه إلهاً لنا ..خلقنا من ماء دافق يخرمن بين الصلب والترائب يرعاناويهتم بنا في ملكوته العظيم .. بكل ما نتمتع به من نعم هي قدراتنا الجسدية وما هو حولنا من مظاهر الطبيعة وما سخره لنا لنستفيد منه وننعم به.
هذا الراحة النفسية والرقي الروحي في الدنيا والعالم الأثيري لم يذكر فقط في الإسلام والمسيحية واليهودية وإنما في العلوم الروحية الغربية والعربية من خلال تواصل الوسطاء الروحيون مع أشخاص من عالم الروح في دراسات روحية وعلمية جادة قام بها علماء للروح تؤكد استمرارية الحياة وأهمية فعل الخير وحب الآخرين والتسامح في رقي الروح ووحدانية الله .. وما عذاب القبر إلا هو عذاب النفس الإنسانية في العالم الأثيري كما ذكر العالم الديني "محمد الغزالي " في كتابه "الأربعين في علوم الدين “وذكره الإمام" شمس الدين أبي عبدالله إبن قيم الجوزية" في صفحة ١٤٠ و١٤١ في كتابه القيم "الروح."
أتمنى أن يدرك الناس هذه الحقائق لتنعم أرواحهم في الدنيا والعالم الآخر إلى يوم القيامة.. فالحياة المادية ونزوات الحياة ومباهجها المادية أنست الإنسان أنه ينتمي بجسده الأثيرى إلى عالم خالد وسيعيشه بما جنت إرادته إما عذاب وشقاء وإما سعادة ونعيم.