بقلم : سلوى المؤيد
..............................................
كتبت هذه التجربة في عام ١٩٨٢قبل وفاة الوسيطة الروحية العالمية البريطانية دوريس ستوكس بأربعة سنوات ..وقمت بنشرها في مجلة أسرتي المعروفة في عام١٩٨٢ .
كانت الوسيطة الروحية دوريس ستوكس الإنجليزية المتواضعة معروفة على مستوى العالم لقوة قدراتها الروحية في الإتصال بالعالم الآخر.. عندما طلبت لقاؤها لتقوم بتحضير الجسم الأثيرى لإخي محمد الذي توفى مقتولاًيوم وصوله مع إسرتي إلى لبنان في عام ١٩٧٢ وكنا قد فجعنا جميعاً لوفاته وهو في السابعة عشر من عمره ..وها أنا أعيد نشره اليوم في مجلة "مرآة العرب" الإلكترونية ليكون دليلاً على حقيقة وجود العالم الآخر الذي تعيش فيه الأجسام الأثيرية إلى يوم البعث والحساب ..يوم القيامة..ولنبدأ التجربة
قرأت عنها كثيراً .. كتاباً يروي سيرة حياتها كوسيطة روحية .. وعددا من المقابلات الصحفية .. وتطلعت إلى لقائها لألمس عن قرب مدى قدرتها الروحية التي ستمكنني من الإتصال بأخي الذي رحل عنا منذ عشر سنوات .. لعلي أطفيء شوقاً دفعني إلى قراءة الكتب والمواضيع الروحية .. أبحث من خلالها عن حقيقة الحياة بعد الموت .
لكن الطريق إليها لم يكن سهلا .. إذ تعد السيدة دوريس ستوكس من أشهر الوسيطات الروحيات في بريطانيا .. وجدول مواعيدها مزدحم جداً .. بينما لا تتجاوز أيامي في أنجلترا أصابع اليد الواحدة .
واستعنت بعملي الصحفي لعله يفتح الأبواب الموصدة .
قلت لوكيل أعمالها "أنا صحفية من البحرين دولة في الخليج العربي .. أتمنى أن تساعدني في لقاء السيدة دوريس ستوكس .. لأنني أريد أن أكتب عنها في مجلة خليجية ".
أجابني "سأخبرها برغبتك هذه .. وستتصل بك هي إذا شعرت بأهمية لقاؤك" .
ولم أكن أتصور أنها ستكلمني صباح اليوم التالي .. شعرت بالرهبة وأنا أسمع صوتها ينساب إلى أذني عبر الهاتف.. تحدثت معي ببساطة لم أكن أتوقعها من وسيطة تتمتع بشهرة عالمية.
سألتني عن سبب رغبتي في لقائها
فقلت لها :"لقد فقدت أخي منذ عشر سنوات .. ومنذ ذلك الوقت وأنا أقرأ الكثير من الكتب الروحية باحثة عن حقيقة استمرار الحياة بعد الموت .. وعندما قرأت عنك شعرت بأنك صادقة خصوصاً لأنك كرست عملك الروحي لخدمة أهداف إنسانية كما ذكرت في كتابك ولقاءاتك الصحفية .. لذلك رغبت في الحديث معك لغرضين ..
أولهما : يتعلق بتحضير روح أخي للتأكد من تواجده في عالم آخر .
والثاني : يختص بعملي كصحفية .. إذ سأطرح عليك العديد من الأسئلة المتعلقة بالعالم الروحي وعملك كوسيطة.
وشعرت باليأس عندما قالت :"كنت أود لقاءك .. لكنني مشغولة جداً خلال الأيام الثلاثة القادمة .. وبعدها سأقتطع لنفسي إجازة مدتها أربعة أيام لأقضيها في منزلي بمنطقة "كنت" وسأراك بعد أن أعود.
قلت :"لكنني سأكون في ذلك الموعد قد غادرت انجلترا .. وأنا حريصة جداً على لقاؤك لأنني متلهفة لمعرفة حقيقة وجود عالم الروح وتواجد أخي به.
سكتت قليلاً لتفكر في الحل .. ثم قالت لي وقد بدا التأثر واضحاً على نبراتها.
"إذن تعالي إلى منزلي خلال مدة إجازتي .. سأكون في انتظارك يوم السبت الساعة الحادية عشرة صباحاً هل يناسبك ذلك؟
أجبتها فرحة : " يناسبني كثيراً .. أشكرك على لطفك "
أجابت بتواضع : "أرجو أن تكون الجلسة ناجحة لتقتنعي بوجود العالم الأثيري وتواجد أخيك به .. إذ علي أن أخبرك منذ الآن باحتمال عدم نجاح الجلسة التس سنقوم بها .. وهذا الأمر خارج عن إرادة الوسيط ويتعلق بالروح نفسها ومدى رغبتها وقدرتها على الحضور ".
وافقتها على ما ذكرت .. لأنني قرأت كثيراً عن العالم الروحي والصعوبات التي يواجهها الوسيط لتحضير الروح (الجسد الأثيري) .. والتي تكون خارجة عن إرادته.
وانتظرت بشوق هذا اللقاء .. وعندما حان موعده ركبت برفقة زوجي القطار المتجه لمنطقة "كنت".
كانت السماء ملبدة بالغيوم تنذر بهطول الأمطار .. واستغرقت في تأملها وأنا أفكر في أخي ترى هل سيتمكن من الحضور ؟ ماذا سيقول لي ؟ وأزدادت الأشواق حدة وامتزجت في أعماقي بالرهبة لأنني سأحضر جلسة روحية .. ولا أدري ماذا سيحدث خلالها ... وبعد ساعة وصل القطار .. كان من الصعب علينا الحصول على سيارة تاكسي أو باص في المكان الذي وجدنا أنفسنا به .. وشاء حسن حظنا أن يتبرع زوجان بتوصيلنا إلى العنوان الذي نقصده .. ووصلنا أخيراً إلى البقعة التي حددتها الوسيطة.
كانت الخضرة منبسطة أمامنا بتنسيق وعناية .. والناس تلهو فوق الحشائش .. والجميع في هذا المكان يعيشون في عربات للسكن .. وضعوها ليقضوا بها إجازاتهم .. وبعد أن سرنا لعدة دقائق لمحنا السيدة دوريس ستكوكس في
انتظارنا .. وبعد أن رحبت بنا ببساطة وإلفة .. سرنا إلى داخل المنزل وأنا أتأملها .. سيدة في الثالثة والستين من عمرها ورغم ذلك تشع نشاطاً وحيوية .. تحمل نفساً متواضعة .. لم تفسدها الشهرة الواسعة .. ,إنما زادتها رسوخاً في معالم شخصيتها ..
وجلست مع زوجي على مقاعدنا في غرفة الجلوس التي لم تكن تزيد مساحتها عن 9 أمتار مربعة .. واتخذت الوسيطة مقعدها أمامنا .. وأخذت تتحدث ببساطة عن حياتها وعن الجو ثم انتقلت إلى الحديث عن جيرانها .. وأنا أفكر في وضع هذه السيدة المعيشي التي لم تحاول أن تشغل قدراتها الروحية لتثري مادياً كما يفعل الكثيرون من أمثالها وأقل منها قدرة روحية ملابسها بسيطة جداً .. وأثاث منزلها أكثر بساطة .. الزهد في الثراء واضح على أسلوب حياتها .. سيارتها الواقفة في الخارج مستعملة وكان زوجها مشغولاً بتصليح خلل بها
كنت ألاحظ أثناء حديثي مع هذه الوسيطة بريقاً عجيباً يطلّ من عينيها ربما يكون قد نتج عن تعاملها لسنوات عديدة مع عالم لا نستطيع رؤيته .. كان الهدوء والاطمئنان النفسي واضحان علي شخصيتها من خلال حديثها دون خوف عن إصابتها بالسرطان ثلاث مرات وتخلصها منه بعد أثنتي عشرة عملية جراحية وروحية أجرت منذ عدة أسابيع كانت لا تخاف الموت وتعتبره مرحلة الانتقال إلى عالم أفضل .
"هل بإمكانك الآن تحضير روح أخي ؟"
أجابت بثقة "هذا يعتمد على رغبته في الحضور – إن عمل الوسيط مثلما ذكرت لك يتلخص في أن يذكر اسم الشخص الراغب في الحديث من العالم الأرضي مع الجسد الأثيري المتواجد في عام الروح ... فإذا رغب الجسد الأثيري المطلوب في التحدث .. تم الاتصال .. وإذا لم يرغب لن يتم .. وأحياناً تعيق الاتصال موانع أخرى تتعلق بالذبذبات الكهربائية الأثيرية
الصادرة من الأشخاص الحاضرين فلا يتم .. خلاصة القول .. أن حضور الروح أو عدم حضورها لأدخل للوسيط به لأنه يشكل فقط حلقة الوصل بين العالم الأرضي المادي والعالم الروحي الأثيري بواسطة قواه الروحية .. والآن سأحاول أن أركز لعلي أتمكن من الاتصال بشقيقك.
وأمسكت صدغيها بيديها وأغمضت عينيها لتتمكن من التركيز وفجأة التفتت إلى كرسي بجواري .. ورحبت بشخص لا أستطيع رؤيته .. وتسارعت ضربات قلبي كم أنا مشتاقة لرؤية من تكلمه لقد مر على فراقنا عشر سنوات ولا زلت أذكر ملامحه ونفسه الحبيبة وقلبه الكبير ...
وبعد أن أصغت إليه .. التفتت قائلة : يقول أن اسمه محمد ... وأنه يريدني أن أبلغ والديه بأنه يحبهم كثيراً وأنه يحتضن أمه كل ليلة ويقبلها قبل أن تنام لكنها لا تراه ".
وتابعت حديثها : "يقول أيضاً أنه يريد منك أن تبلغي سلامه إلى اخوته وأخواته".
وأخذت الوسيطة تعدد أسماء أخوتي وأخواتي المطابقة لأسمائهم الحقيقية .. وتوقفت قليلاً لتصغي إليه وهو يتحدث إليها .. كان شوقي يزداد حدة وأنا أجد نفسي عاجزة عن رؤيته .. كانت تتحدث معه بشكل طبيعي وعفوي .. وتطلب منه أن يعيد بعض الكلمات حتى تتمكن من سماعها جيداً .
والتفتت إلى مرة أخرى لتقول أراد أخوك أن يذكر بعض الأمور المتعلقة بحياتكم حتى تتأكدي من حقيقة تواجده في عالم الروح .. إذ ذكر لي مثلاً أن والدتك كانت تضع صورة كبيرة له في غرفة الجلوس . وصورة أخرى كبيرة بالأسود والأبيض في حجرة نومها . وصورة ثالثة صغيرة كانت تضعها في درج بجانب سرير نومها حيث كانت تقبلها كل ليلة قبل أن تنام.
لم أتمالك نفسي من البكاء لأن ماقالته مطابقاً للحقيقة .. كنت أشعر بالفرح لأنني ازددت تأكداً أن من يكلم الوسيطة هو أخي محمد .. وأنه يعيش في عالم آخر كما نعيش نحن بمقاييس مختلفة تتناسب مع طبيعة عالمه الأثيري.
وإلى الغد لنكمل اللقاء