يكتبها – فاروق جويدة
>>>>>>>>>>>>
لا صوت الآن يعلو فى الشارع المصرى على صوت بذاءات وشتائم وحكايات وقصص المهرجانات ومواقع التواصل الاجتماعى وجرائم قتل الأزواج والزوجات والأطفال الصغار.. هناك ظواهر مخيفة تجتاح الشارع المصرى ابتداء بالسرقة والقتل والفساد .. إن الغريب فى الأمر أن تأخذ كرة القدم من اهتمام المصريين معظم الوقت بينما قضايا السلوك والأخلاق لا تجد من يناقشها حتى أن الجانب الاجتماعي لم يعد ذا أهمية فى حياة المصريين .. فى كل يوم تنطلق علينا حكاية إعلامية يدور حولها الكلام والاتهامات ابتداء بالفساتين فى مهرجانات بلا فن وانتهاء بعمليات قتل وحشية لأطفال صغار .. يمكن أن نقول بصراحة أن الشارع المصرى يمر الآن بأزمات أخلاقية وسلوكية تحتاج إلى وقفة أهم من كرة القدم والفساتين العارية..
> منذ فترة ونحن نتابع هذه التغيرات السريعة فى الشارع المصرى وأصبحت قضايا الأخلاق واحدة من أكثر المتغيرات السلبية فى حياتنا .. إن الغريب فى الأمر أنه لا أحد يهتم بتلك الظواهر رغم إنها تهدد أشياء كثيرة فى ثوابت المجتمع وعلاقاته والأمراض التى تنتشر فيه بسرعة رهيبة .. إن ظاهرة العنف لم تكن فى مصر بهذه الخطورة كنا نقرأ فى صفحة الحوادث عن جريمة هنا أو هناك ولكننا الآن نشاهد كوارث يومية عن حوادث قتل فى الأسرة الواحدة بين الأزواج والأبناء والأقارب وهناك مذابح بالجملة تضيع فيها اسر كاملة .. ولم يعد الأمر مقصورا على الأحياء الفقيرة والعشوائيات ولكنه انتقل إلى الأحياء الراقية فى صورة جرائم وحشية تقتل فيها أعداد كبيرة من المواطنين..
> لم يتوقف أحد عند ظاهرة الدماء فى الشارع المصرى ودائرة العنف التى اتسعت ولم يقترب أحد من أسبابها، خاصة أن الفقر كان يوما ما هو الدافع وراء هذه الجرائم ولكننا الآن نشاهد أكثر الجرائم وحشية فى طبقات اجتماعية تسكن أرقى الأحياء وتدرس فى ارقى الجامعات .. لماذا لم يتوقف علماء النفس والاجتماع ومراكز الأبحاث وهى كثيرة عند هذه الأعمال الوحشية وما هى أسبابها وهى تسرى كالنيران فى الهشيم فى مكونات وثوابت الأسرة المصرية ؟!. ما الذى تغير فى ثوابت الشخصية المصرية حتى تشهد كل هذه التحولات: هل هو الفقر أم المال أم الإعلام أم المتغيرات الحضارية التى اندفع فيها المجتمع المصرى أم التكنولوجيا التى تحولت إلى أدوات تدمير وخراب؟!.
> ما ينشر ويذاع الآن على مواقع التواصل الاجتماعى يعتبر من اكبر الكوارث الأخلاقية التى يعانيها الشارع المصرى أمام غياب كامل لكل صور الرقابة ابتداء برقابة الأسرة: الأب والأم وانتهاء بغياب أجهزة مسئولة كان ينبغى أن تؤدى دورها فى حماية المجتمع من هذه الكوارث.. أولى ضحايا مواقع التواصل كانت لغة الحوار أمام بذاءات وكلمات وشتائم تضرب كل ما قامت عليه ثوابت هذا المجتمع فى الحديث والكلام. إن الدولة فيما يبدو لا تعرف الكثير مما يجرى على مواقع التواصل من عمليات تخريب وتشويه للأجيال الجديدة .. إن كل شىء الآن يدار على شبكات التواصل الاجتماعي ابتداء بخطط الإرهاب وانتهاء بعلاقات مشبوهة ولا احد يعرف من يقف وراء ذلك كله .. أشياء كثيرة فى حياة المصريين تغيرت على شاشات المواقع المشبوهة ولا احد يعرف عدد المشاركين فيها وهم بالملايين. إننا لم نعد نملك من عقول أبنائنا شيئا لا الأسرة ولا المدرسة ولا الجامعة ولا الدولة هناك عالم استباح عقول أبنائنا ونحن نعيش فى غيبوبة تكنولوجية أفقدتنا السيطرة على كل شىء.. إننا لا نعلم ما يجرى فى عقول أجيال تتشكل الآن ببرامج وشاشات وصور ومعلومات تشوه كل شىء .. أعرف أنها أزمة عالمية واختراق لا حدود له ولكن هناك دول مثل الصين وفرت قدرا من الحماية لشعوبها إلا أننا تركنا أجيالا كاملة لا نعرف عنها شيئا.. هناك منافسات مشبوهة بين مواقع التواصل الاجتماعي فى نشر الفضائح بالصور والكلام هذه تزوجت وهذه طلقت وهذه جرائم زنى المحارم وكأننا نعيش فى غابة من الأخطاء والخطايا..
> شىء رائع وجميل أن تقيم مصر كل هذه المهرجانات الفنية فى أكثر من مجال فى الغناء والسينما والفنون الشعبية .. والأجمل من ذلك أن يكون لدينا فن حقيقي نقدمه أمام العالم وننفق عليه الملايين وحين ندفع الملايين بدون فن وتتحول هذه المهرجانات إلى فضائح أخلاقية فى الثياب العارية ويكون المطلوب فى كل الحالات استعراضا رخيصا كأنا مزادات عرى فإن القضية تتحول إلى أشياء أخرى .. إن الحرية فى الفن ضرورة وهى حق من الحقوق الأصيلة للإبداع هذا إذا كان هناك إبداع حقيقي يليق بفن مصر العظيم ولكن أن يغيب الفن ونكتفي بالعرى فهذا تهريج وامتهان للفن والفنانين .. إن ما بقى من المهرجانات التى شهدتها مصر هو صور الفنانات العاريات على مواقع التواصل الاجتماعي وشاشات الفضائيات وقد أصبحت سلعة يتداولها الملايين فى العالم العربى ولم يعد احد يذكر فيلما جميلا لفنانة أبدعت ولكن صورها عارية هى التى تلفت الأنظار .. إن الغريب فى الأمر أننا لا نفيق إلا بعد أن تحدث الكارثة حتى تسللت مواكب الكومبارس واقتحمت هذه المهرجانات وأساءت لوجوه جادة ومحترمة مازالت تشرف الفن المصرى .. لا يستطيع احد أن يبرئ المشرفين على هذه المهرجانات من الجريمة، لأن تصدير الفن شىء وترويج العرى شىء أخر ويجب أن تكون هناك قواعد لاحترام ظهور الفنانين تقديرا لهم ولفنهم ولوطنهم الذى ينبغى أن يحافظوا عليه..
> هناك من يحاول أن يخدعنا بمقولات عن الحرية الشخصية وحرية الفنان إن الإساءة لصورة المجتمع أمر لا يليق من فنانين يجب أن يكونوا صورة طيبة وقدوة صالحة لبلادهم .. ما حدث هذا العام من تجاوزات فى مهرجانات السينما كان سقطة كبيرة حين كانت المنافسة ابعد ما تكون عن الفن الجميل واقرب ما تكون إلى مهرجانات للعرى..
> قرأت قصة غريبة تؤكد حجم المتغيرات فى الشارع المصرى وقد حدثت فى احد المساجد الشهيرة حين قام المصلون لأداء صلاة الجنازة على جثمان رجل ميت ووقف احد الأشخاص وصاح هذا الميت لا تجوز عليه الصلاة، لأنه مدين لى بخمسة آلاف جنيه وهنا احتار إمام المسجد وإذا بشخص آخر يقف ويقول انه ابن الميت .. وبكى أمام المصلين وبدأ المصلون يجمعون المبلغ وبالفعل قدموه للرجلين صاحب الدين وابن الميت وحين انتهت صلاة الجنازة وقف الإمام ينتظر أهل الميت ليحملوا الجثمان ولم يجد أحدا ورفع الغطاء عن الجسد ليجد سجادة قديمة ملفوفة..
> هذه الواقعة تؤكد أكثر من جانب فى متغيرات الشارع المصرى، أن النصب والتحايل وصلا إلى استخدام مثل هذه الأساليب فى خداع الناس داخل بيوت الله باستخدام ما كنا نشاهد من تجارة المخدرات فى الأفلام وتهريبها فى المدافن .. ولكن الأخطر أن العلاقات المالية وسداد حقوق الناس أصبحا يمثلان أزمة حقيقية فى الشارع المصرى.
> كان المصريون فى عهود سبقت يتعاملون فى الشئون المالية بالكلمة وليس بالأوراق والشيكات وكانت الحقوق تحميها كلمة ولكننا الآن نشاهد مئات الآلاف من قضايا الشيكات المضروبة وأمام القضاء نماذج صارخة حول علاقات مشبوهة واحتيال على الناس وضياع حقوقهم حتى مع مؤسسات كبرى وشركات شهيرة.. فى المقابل فإن ما ينشر فى الصحف عن قضايا الفساد والرشوة والعدوان على المال العام يؤكد أن أحوال المصريين تغيرت وان أخلاقهم أصابتها أمراض كثيرة وأننا لم نعد كما كنا فى تقديس المعاملات، لأن الدين فى أساسه المعاملة .. للأسف الشديد يحدث ذلك فى سلوكيات الناس بينما هناك مظاهر كثيرة للتدين الظاهرى، فما أكثر الأحاديث حول الدين وثوابته وما أكثر مظاهر الخروج عن الدين والتدين الصحيح .. إن ما ينشر من قضايا الفساد والعدوان على المال العام كل يوم يؤكد أن الإنسان المصرى فقد الكثير من ثوابته فى السلوك والأخلاق وان علينا أن نراجع أنفسنا قبل فوات الأوان.. كان المصريون أكثر تراحما وكانوا أكثر ترفعا وتدينا وصدقا ولا أدرى كيف حلت عليهم كل هذه السلوكيات الغريبة فى السلوك والمعاملات والأخلاق وكيف نعيد للنهر مياهه النقية وللوطن شموخه القديم..
> هناك ظواهر خطيرة تهدد الآن شبابنا وفى مقدمتها المخدرات وقد انتشرت بصورة مخيفة وقد تركت آثارا سيئة على صحة الأجيال الجديدة بجانب السجائر وهى من الأسباب التى تقف وراء جرائم القتل وتفكك الأسرة والأمراض الخطيرة التى تنفق عليها الدولة مليارات الجنيهات..
> إن القضية بكل جوانبها الأخلاقية تبدأ عند الأسرة: الأب وألام وهذه السلسلة العريقة التى كانت تعطى الشارع المصرى صورة من ارفع صور التكافل الاجتماعي والسلوك الراقى والحرص على جمال الحياة..
> هناك ادوار أخرى غائبة عن حياتنا مثل المدرسة وكنا نقرأ دائما على آخر صفحة من الكتاب المدرسي نصائح فى الأخلاق والسلوك والنظافة واحترام لغة الحوار ولكن للأسف الشديد غابت بل تلاشت كل هذه الثوابت الأخلاقية والسلوكية أمام لغة مواقع التواصل الاجتماعي وصور العرى التى تقتحم البيوت على شاشات الفضائيات تحت دعوى الفن والحقيقة أن الفن برىء من كل هذا الإسفاف والترخص والحرية التى يتباكى عليها البعض هى الضحية الأولى فى هذا الانفلات .. الفن قيمة والعرى جريمة .. أخلاق المصريين تتغير وتتشوه وتدمر كل ما قام عليه بناء هذا الوطن فى الفكر والثقافة والإبداع والترفع..
> قالها أمير الشعراء أحمد شوقى منذ زمن بعيد
وإنما الأمُم الأخلاقُ ما بقيت
فإن هموا ذهبتْ اخلاقهم ذهبوا