حوار أجرته الكاتبة الكبيرة : سلوى المؤيد
........................
أخذت الفتاة تسير في الغرفة جيئة وذهاباً .. أنفاسنا محبوسة .. وفجأة اتجهت إلى امرأة كانت بجواري وقالت لها :
"يا أمي جئت لأكلمك، "وأخذت الفتاة تتحدث مع أمها لعدة دقائق قائلة
"أنا أزوركم وأعلم ما يجري لكم ".
وفجأة سألت الفتاة :
"هل تريدين أن تمسكي يدي ؟ "
أومأت أمها وهي مذهولة بالإيجاب ، أمسكت أصابعها الباهتة الممدودة لها .. ثم أمسكت يدها كلها .
تقول الأم "كنت أتوقع أن ألمس يداً باردة كالثلج .. لكنني لمست يد إبنتي وهي نابضة بالحرارة والدفء !! والتفت إلى الوسيطة ..
كانت غارقة في غيبوبة عميقة ..هذا مستحيل .. إنها نائمة وكل شيء يحدث دون علمها كيف يمكنها أن تفعل ذلك . "
مرة أخرى اتجهت الأم إلى إبنتها .. نظرت إليها في صمت وابتسمت لها .
تقول الأم " ثم سحبت إبنتي يدها فجأة من يدي ..فوجدت الوردة الحمراء التي جلبتها في يدي ثم قالت لي:
" عيد ميلاد سعيد يا أمي"
وتكمل الأم بتأثرشديد
"ثم تراجعت إبنتي إلى الوراء وأخذت في التضاؤل حتى اختفت تماماً ."
وتتابع الوسيطة دوريس ستوكس روايتها
كان الذهول مسيطر علينا .. ولم أكن أسمع غير صوت بكاء والدة الفتاة ، وهي تنظر إلى الوردة الحمراء التي قدمتها لها ابنتها"..
وتكمل السيدة دوريس حديثها المثير .
"كان ما فعلته الوسيطة الأمريكية أكثر من رائع .. لكني لم أندهش عندما علمت فيما بعد أن هيلين ديتكان هي الوسيطة ..إذ تعد من أفضل من يقوم بالوساطة القائمة على تجسيد الجسم الأثيري ؛
قلت للوسيطة دوريس ستوكس "
علمت منك أنك لا تستطيعين القيام بالوساطة المادية ... بينما هناك أشخاص قادرون على القيام بهذا النوع من الوساطة فماذا يختلف عن التحضير الروحي الذي تقومين به أنت ؟
سألتني السيدةدوريس ستوكس من باب الضيافة إذا كنت أرغب مع زوجي في شرب القهوة ..وعندما أجبتها بالموافقة..ذهبت الى المطبخ لتعدها..واندهشت ألا يوجد أحد يعمل لديها وهي مريضة وتعد من أشهر الوسيطات الروحانيات في انجلترا .
ولحقت بها إلى المطبخ لإتحدث معها وأساعدها ..وبينما كانت تعد القهوة قالت لي "إن أخيك وسيم جدا وطيب "
مسحت دمعة سالت من عيني شوقاً إليه وقلت لها
"هو فعلاً كان جميلاً ورقيق الخلق وطيب ومخلص جدا لإصدقائه "
وجلسنا لنتابع الحديث ..كنت قد سألتها قبل أن تقوم بإعداد القهوة سؤالاً حول اختلاف القدرات الروحيةلدى الوسطاء.
"قدرات الوسيط المادي تختلف عن قدراتي الروحية من الأساس .. تجسيد الروح يتطلب إغماء الوسيط أولاً .. ثم تخرج مادة فضية من أنفه ووسط جسده، ويطلق العلماء على هذه المادة اسم "اللاكتوبلازم" ويستخدمها الجسد الاثيري عندما يحضر ليتمكن من التجسد للحاضرين لمدة قصيرة جداً .. وهذا من أصعب أنواع الوساطة الروحية وهو نادر الحدوث .
وينتقل الحوار بيني وبينها إلى سؤال آخر.
- متى بدأت تشعرين بقدراتك الروحية ؟
" لم أكن أعرف عندما كنت طفلة أني أشاهد أشياء لا يشاهدها غيري .. لأنني لم أدرك في ذلك الوقت معني القدرة الروحية ..
وعندما توفي والدي وحضر ليزورني ويتحدث معي عن أشياء تتعلق بحياتي الشخصية أو عملي. علمت أنني أتمتع بقدرات روحية ..كنت في ذلك الوقت ممرضة ولم أفكر في التفرغ للعمل الروحي .. وبدأت أقرأ عن العالم الروحي وتجارب الوسطاء الروحيين "
- وماذا فعلت بعد ذلك ؟
" انضممت إلى جمعية روحية نتلقى خلال جلساتها الأسبوعية محاضرات روحية توضح لنا كيفية تطوير قدراتنا الروحية والمباديء الإنسانية التي يجب أن يرتكز عليها عملنا في هذا الحقل .. وقد حضرت الجلسة التي ذكرتها أثناء تلك الفترة.
- بماذا تشعرين وأنت تمارسين العمل الروحي ؟
- بالمتعة والراحة النفسية لأنني أمتلك قدرة لا يمتلكها إلا القلائل واستطيع إسعاد الكثير من القلوب التي انهكها الحزن على فراق أحبائها.
- ماهي المواضيع التي يرتكز عليها الأجساد الأثيرية عندما يتم حضورها؟
- غالباً ما يتحدث الجسم الأثيري عن أمور خاصة به وبأهله لا يعلم بها أحد غيرهم ليؤكد لعائلته أنه موجود في عالم آخر .. ولا يزال يشعر بحبهم واهتمامهم ويبادلهم ذلك الشعور.
وأحياناً تتحدث الروح عن اهتماماتها في العالم الأثيري .
هل يهتم الشخص المتوفي بمشاكل أهله المادية ويحاول أن يساعدهم في إيجاد الحلول لها ؟
- يهتم كثيراً إذا كان يحمل لهم حباً كبيراً .. وقد حدث أن ساعد الكثيرون منهم أسرهم في حل مشاكل مادية كانت تسبب لهم قلقاً كبيراً
وانتهيت إلى حقيبة جلدية مكتنزة بالرسائل فسألتها عنها ..
قالت : " تصلني أسبوعياً الكثير من الرسائل لأساعد أصحابها".
- وماهي أنواع المساعدة التي تقدمينها إليهم ؟
- أحاول أخفف عنهم أحزانهم حيث أقوم بتحضير أرواح أحبائهم وإرسال تفاصيل جلساتي إليهم، فتصلني رسائل الشكر منهم على الحقائق التي حصلوا عليها واطمئنوا من خلالها على تواجد أحبائهم في عالم آخر، وأحياناً تصلني رسائل يطلب أصحابها أن أجد شيئاً ثميناً فقدوه أو شخصاً عزيزاً تم اختطافه وكم ترتاح نفسي عندما تصلني رسائل الشكر منهم على مساعدتهم وحل مشاكلهم.
ترى هل استطاعت هذه الوسيطة أن تصل إلى الثراء المادي عن طريق احترافها للعمل الروحي ؟ سؤال تجرأت وسألته .. وكانت لطيفة وهي تجيب بعزة نفس .
- أنا لا أسعى إلى جمع المال من وراء عملي الروحي .. ولو أردت ذلك لأصبحت الآن ثرية جداً .. قدراتي الروحية هبة من
- عند الله .. ويجب أن أكرسها لأهداف إنسانية خيرة .. وأن أعيش من ورائها بعد تفرغي لها حياة متواضعة كريمة .. لقد علمني والدي أن على الإنسان أن يكون قنوعاً مؤمناً برسالة إنسانية يؤديها تملئ نفسه راحة واطمئناناً .. و هي أيضاً من تعاليم مرشدي الروحي "رومانوف".
- من هو مرشدك الروحي "رومانوف" وأين كان يعيش قبل أن يتوفى؟
- إنه جسم أثيري لروح رجل كان يعيش في المكسيك .. وقد توفي منذ مائة عام .. فوجئت به يوماً وأنا مستلقية أنشد الراحة بعد يوم كان متعباً يهمس في أذني
- " سأعلمك .. اجلسي هنا كل ليلة .. عندما يكون البيت هادئاً" اندهشت لسماعي هذا الصوت .. ولم أكن أعلم أن لكل وسيط مرشداً روحياً من العالم الأثيري يساعده على أداء مهمته الروحية .. و "رومانوف" كان مساعدي في أداء رسالتي الروحية، تعودت أن أجلس في مقعدي كل ليلة ليكلمني .. يقص علي قصصاً قصيرة، ويطلب مني أن أستخرج المعاني التي تتضمنها عندما أقوم بأعمال البيت في اليوم التالي .. ونادراً ما يقاطعني عندما أتحدث في جلسة روحية .. لكنني إذا وجدت نفسي أمام العديد من الأصوات الأثيرية التي يريد أصحابها الاتصال بأحبائهم على الأرض .. أجده حاضراً ليساعدني على أداء مهمتي "
- متى احترفت العمل كوسيطة ؟
- لم أكن قد تجاوزت التاسعة والعشرين عندما طلبت من المسؤول عن الاتحاد الروحي البريطاني السماح لي بممارسة العمل الروحي كوسيطة .. أجابني المسؤول بأن علي أن أجتاز امتحاناً يضعه لي الاتحاد الروحي .. لأثبت من خلاله قدراتي الروحية .. وبالفعل تقدمت إلى الاختبار واجتزته بنجاح كبير .. واحترفت بعده العمل كممرضة .. لكنني بعد فترة وجدت صعوبة في التوفيق بين المهنتين فتركت التمريض وتفرغت لأداء رسالتي الروحية الانسانية .
- وأسالها "ألا تخافين من رؤية الجسد الأثيري ماثلاً أمامك ليلاً؟
- لا .. ولماذا أخاف .. لقد تعودت على رؤيتهم منذ أن كنت في السابعة من عمري ؟
- عندما تواجهك روح "عابثة" أو شريرة هل تستطيعين السيطرة عليها ؟
- طبعاً .. لقد امتلكت هذه القدرة بسبب الإرشادات التي أتلقاها من مرشدي الروحي "رومانوف" وبحكم طول الخبرة".
وإلى البيوت المسكونة انتقل الحديث بيننا .
- في رايك .. هل في إمكان الوسيط تخليص البيوت المسكونة من الأرواح العابثة بها ؟
- يستطيع إذا كان قادراً على فهم الروح العابثة .. ومعرفة سبب إثارتها للمشاكل .. فإذا تخلصت هذه الروح من متاعبها النفسية استطاعت أن ترحل بهدوء .
- هل مررت بتجربة من هذا النوع ؟
- نعم عدة مرات .. واستطعت في كل مرة تخليص هذه المنازل من الأرواح العابثة بعد أن أعرف منها سبب ما تفتعله من ضجيج .. وكم كانت ترتاح نفسي عندما أنجح في مهمتي .. لأنني استطعت أن أساعد هذه الأجساد الأثيرية على العيش بسلام .. فهي إماأن تكون شقية بسبب تصرفات سيئة قد ارتكبتها أثناء حياتها الأرضية .. تعيقها عن الانطلاق أو أنها تريد الإنتهاء من أداء مهمة ضروورية قبل أن ترحل .. فتثير عبثاً تهدف من خلاله إلى الانتباه إليها واحضار وسيط لها ليساعدها على أداء مهمتها.
وأحاول أن ألمس بأسئلتي معالم العالم الروحي
- هل توجد وسائل للنقل في العالم الروحي ؟
- لا الأجساد الأثيرية لا تحتاج إلى هذه الوسيلة لأنها تستطيع أن تنتقل بأفكارها من مكان إلى آخر في سرعة تفوق سرعة الضوء .. المقاييس والقوانين الطبيعية التي تتحكم في هذا العالم تختلف عن المقاييس والقوانين الطبيعية التي تتحكم في عالمنا المادي .. هناك تبرز قوى العقل الجبارة التي تحدها أجسادنا البشرية فتمنعها من الانطلاق وتحقيق قدراتها.
- هل المال عنصر أساسي في العالم الأثيري؟؟
- لا .. لا أهمية لهذا العنصر في العالم الأثيري .. لأن الأجساد الأثيرية قادرة على تحقيق مطالبها اليومية دون الاستعانة به .. هناك يسعى الجميع إلى المعرفة والسمو النفسي لكن تتمكن الروح من تحقيق أمانيها ".
وتتابع بحماس :
"في هذا العالم الجميل لا يؤدي الناس أعمالهم لأنها واجب عليهم لكي يحصلوا على احتياجاتهم اليومية .. المال هناك لا أهمية له على الإطلاق كما ذكرت لك .. الأرواح تمارس فقط هواياتها المحببة إليها .. أنا مثلاً كنت أتمنى دراسة البيانو ... لكنني لم أتمكن من ذلك بسبب عدم قدرة أسرتي المادية .. لكنني سأمارس هذه الهواية في العالم الروحي بعد دراستها وسأصبح عازفة بيانو.
- قلت لها حديثك مريح عن العالم الأثيري جعلني لا أخاف من الموت .. فهل أصبحت أنت أيضاً لا تخافين من الموت؟
- ولماذا أخافه ؟ العالم الأثيري أرقى وأوسع وأجمل من عالمنا .. هناك الحياة قائمة على العدل والحق الإلهي، لا على نظريات الإنسان التي يفسرها حسب نظرته غير العادلة والمتحيزة لتحقيق أغراضه.
- كيف تتصرف الوسيطة إذا كانت متعبة والأرواح تريد الإتصال بأحبائها ؟
- أخبرها بأنني متعبة وأطلب منها تأجيل عملية الاتصال إلى أن يزول تعبي .. فتستجيب الأجساد الأثيرية لرجائي .
وينتقل الحديث بيننا إلى حقيقة العلاج الروحي .. فأسألها :
- هل تعتقدين أن في إمكان المعالج الروحاني معالجة الأمراض الجسدية وشفاءها؟
- طبعاً .. لقد أصيب زوجي بسرطان المعدة ولم يبق له من أمل في الحياة، فاستعنت بصديقي المعالج الروحاني المعروف "هاري ادواردز" .. كنت يائسة وحزينة ... لكنه بدد حزني إلى فرح .. ويأسي إلى أمل.. عندما عالج زوجي روحياً .. واختفى الورم تماماً .. مما أثار دهشة طبيبه الذي كان علاجه يجري تحت اشرافه. وتتابع
- " أنا أؤمن بهذا النوع من العلاج .. الذي يتم على أيدي أشخاص أنعم الله عليه بقدرة روحية تمكنهم من ممارسة هذا العمل .. والقدرات الروحية تختلف وتتنوع .. أنا مثلاً لا أمتلك القدرة الروحية على ممارسة هذا النوع من المعالجة الروحية .. لكنني أستطيع رؤية الأجساد الأثيرية وسماع أصواتها.
- هل استفدت أنت أيضاً من العلاج الروحاني؟
- نعم .. لقد أصبت بالسرطان ثلاثة مرات واستطعت التخلص منه تماماً حيث أجريت آخر عملية استئصال لي منذ ثلاثة أسابيع .. لقد استطاع "هاري ادواردز" أن يشفيني من هذا المرض الخبيث مرتين وعندما عاد مرة ثالثة .. استعنت إلى جانب العلاج الروحي بالطب حيث أجريت لي عملية استئصال نهائي لهذا المرض الخبيث ..
وتكمل حديثها قائلة :
" لكن الأشخاص القادرين على هذا العلاج الروحاني نادرون ... ويدعي الكثيرون هذه القدرة وهم لا يملكونها .. مثلما يدعي البعض قدرته على تحضير الأرواح تدجيلاً.
ولم يتسع الوقت لنتحدث عن تجاربها الروحية العديدة ورحلاتها الناجحة إلى أمريكا وأستراليا ..
لم يهملني صوت السيارة وهي قادمة في الموعد الذي حددناه لها أن أستمر في حديثنا الروحي الممتع الذي لم أشعر خلاله بالوقت وهو يمضي ..
ثلاث ساعات مرت لم يبد على هذه السيدة الواسعة الشهرة المتواضعة أي تأفف أو ضيق .. كانت واثقة من نفسها وهي تجيب على أسئلتي العديدة المتنوعة .. وسعيدة لأنها استطاعت أن تجمعني بأخي بعد عشر سنوات من فراقنا.
وعند نهاية اللقاء شعرت وكأن جسراً من الصداقة والمودة امتد ليجمع بيننا وبين هذين الزوجين اللذين جمع بينهما حب لم تضعف شعلته رغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً على زواجهما ..رحم الله هذه الوسيطة القديرة المتواضعة.