بقلم :سلوى المؤيد
.............................
لا يعرف مدى قسوة مرض الإكتئاب إلا من يصاب به .. .. فأنت لا تشعر فقط أنك يائس أو خائف أو تشعر بالذنب أو بالمرارة والتعب والمرض أنه أقسى مصيدة يقع فيها الإنسان وحيداً مسجوناً في سجن انفرادي مؤلم لمدة أشهرأو سنة أو أكثر إذا لم يلجأ إلي الطبيب النفسي لعلاجه.
إننا عندما نمرض جسدياً نشعر بألم عضوي ..أو عندما نصاب بجروح ..قد نشعر بإلم شديد وعدم الراحة ..لكننا نستطيع أن نفصل أنفسنا عن ذلك الألم ..نستطيع أن نتكلم مع الآخرين ..ونشاركهم بعض النكت ..نهتم بعض الشيء بما يقومون به ...نشاهد التلفزيون ونقرأ كتاب أونخطط للمستقبل ..ونشعر عندما يظهر لنا أحباؤنا حباً أو دعماً بالدفء في مشاعرنا وبالفرح وبالتأييد ونبادلهم بالحب والإمتنان .
لكننا عندما نكون مكتئبين لا نستطيع القيام بإي شيء مما ذكرت .. فنحن محاطون تماماً بسجن من الإكتئاب ..لا نستطيع أن نهرب حتى لو كان هروباً مؤقتاً ..فهو يستولى على إحساسنا بالحياة والحيوية التي نشعر بها ليبتلعها ويتركنا نعيش بموت داخلي مؤلم يحرم نفوسنا أن تشعربإي حيوية أو رغبة في هواية كنا نزاولها أو كتاب كنا نقرأه..فنظل ندور كالتائهين لا ندري ماذا نفعل بإوقاتنا ونحن نعيش هذا الخواء البغيض . ووسط هذا الإحساس ننقطع نفسياً عن أي شخص آخر ..ورغم أننا نعلم بإننا كأشخاص مع الناس الآخرين ..لكننا نشعر أن هناك سياج حولنا يفصلنا عنهم ..وعندمايحاولون أن يمنحوننا حباً ودعماً وراحة .. لا شيء من هذه المشاعر قادراً على أن يتجاوز هذا السياج ليصل لنا ويمنحنا الدفء و البهجةوالدعم .
والمؤلم أننا نعتقد أثناء النوبة أننا نستحق ذلك (إذ يصاب المريض بأفكار وهميه تقلل من قيمة نفسه فيصبح المكتئب هو السجين وهو الجلاد)
فنحن نشعر أننا سيئين(بسبب المرض) ..لا نستحق ما يقدمه هؤلاء الناس لنا .. و بإن علينا أن نكون أفضل ..و قد نفكر أننا لا نستحق حب أحباؤنا .. أو إننا فاشلون ولم ننجز شيئاً يذكر ( رغم أن بعض المرضى قد يكونوا من المشاهير في مجالات عملهم ) وقد نفكر بإننا لوكنا أفضل من ذلك لما تركنا أحبائنا (في حالة فقدان أحد الأحباء من الأهل ) ..أو لا بد إننا ارتكبنا ذنباً كبيراً وإلا لماذا نتعذب هكذا ..أو لا بد إننا ماكرون و إلا لما استحققنا
هذا العذاب " ( لا يعني ذلك أن المكتئب ارتكب ذنباً )
وقد نتعامل مع الناس تعاملاً طبيعياً في حالة الإكتئاب الغير جسيم ..ونرد على الهاتف ونقوم بواجباتنا اليومية ..قد نشعر بإننا أفضل قليلاً عند المساء. أو عندما نعمل مع الآخرين ..لكن يظل ذلك الشعور بالوحشة والخوف من المجهول قابعاً في أعماقنا حتى عندما نبداً في تناول الحبوب المضادة للإكتئاب أو علاج الجلسات الكهربائية المتعلقة بالتخلص من هذا المرض إذ علينا أن ننتظرثلاثة أسابيع على الأقل بعد العلاج إذا كانت النوبة قد بدأت منذ أشهر ليبدأ تأثيرها وتنقشع غمامة الإكتئاب عن نفوسنا .
إن ما شرحته يمس مرضى الإكتئاب النفسي الجسيم الأحادي القطب ..وهو أحد أنواع الإكتئاب الشائعة بين الناس حيث أن هناك أنواع أخرى من الإكتئاب نادرة ولا يسع المجال هنا لذكرها
وأعود إلى مرض الإكتئاب لإذكر خطورة جهل المريض بمرضه..إذ قد يصاب المريض الجاهل بهذا المرض ..فيظن أنه سيظل هكذا بقية حياته .. فيلجأ بعض الناس إلى الإنتحار .
تاريخ وأعراض مرض الإكتئاب الأحادي والثنائ القطب .:
يوجد حوالي ٣٥٠ مليون مريض بالإكتئاب في العالم ..وهو معروف منذ ٢٤٠٠ عام لدى اليونانيون حيث تعرف عليه وشخصه العالم اليوناني الكبير "أبقراط" وأطلق عليه إسم ( الميلانخوليا).
وهناك عدد كبير من المشاهير أصيبوا بهذا المرض في العالم ..منهم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية "إبراهام لنكولن".. ورئيس وزراء بريطاني "ونستون تشرشل" الذي كان يطلق على مرضه عندما يصيبه "الكلب الأسود " والفنان " فان جوخ " وقد انتحر بسببه عندما أطلق رصاصة على رأسه وهو لم يتجاوز الثامنة والثلاثين من عمره و الكاتب الأمريكي "أرنست همنجواي" الذي انتحر بسبب هذا المرض وهوفي بداية الستين من عمره ..والكاتبة " فرجينيا ولف “..ومن الشعراء الشاعرة "سيلفيا بلاث " التي انتحرت أيضا بسبب هذا المرض المؤلم في عصر لم تعرف بعد أثنائه الحبوب المضادة للإكتئاب وكذلك حبوب التوازن النفسي التي تمنع حدوث النوبة إلى حد ما
أما الكاتب الأمريكي " جيمس كنيدي " فقد انتحر أيضا وهو في الثانية والثلاثين من عمره .. ووكذل أصيبت به الفنانة الراحلة سعاد حسني والفنان الراحل أحمد زكي ..والفنان والموسيقي العالمي الأسطورة إلفيس برسلي والممثل العالمي الكوميدي "روبن وليم"الذي انتحر مؤخراً بسبب مرض الإكتئاب .. وعدد كبير غيرهم من العباقرة من الممثلين والشعراء والكتاب والعلماء ورؤساء الدول لا يسع المقال لذكرهم .
وبالطبع فإن من المعروف طبياً ونفسياً أن الشخصية الحساسة جداً الغير قادرة على التكيف مع الظروف الحياتية التي تمر بها إلى جانب الضعف الكيميائي في الأنزيمات المتواجدة في المخ والتي لم يتوصل العلماء إلى كيفية عملها وعلاقتها الدقيقة بالإكتئاب بعد ..هي السبب في إصابة الشخص بالأكتئاب بأنواعة المختلفة .