آخبار عاجل

الكتاب المسروق : عصمت الموسوي

10 - 12 - 2018 12:00 688

ذات يوم من أيام التسعينات زارتني احدى الصديقات وتجولت في ارجاء بيتي الجديد ثم توقفت امام مكتبتي وسألتني ان اعيرها كتابا اعجبها ، لم اتردد ، وكنت وقتها حسنة الظن بالناس فلم ادقق ولم اسجل تاريخ الإعارة اعتمادا على ذاكرة حديدية تحفظ كل التفاصيل الصغيرة ،الا ان الكتاب لم يعد لا بعد شهر ولا بعد عام ، وظلت صديقتي تماطل مدعية انه ضاع وسط مكتبتها الكبيرة ، فاقترحت عليها زيارتها في بيتها والبحث عن كتابي في مكتبتها فوافقت بسرعة ، والواقع انني لم اجد كتابي ولكني وجدت عندها كتابا قديما وقيُما عن تاريخ البحرين السياسي لطالما بحثت عنه ، فاقترحت عليها استبدال كتابي به فرضيت بالأمر مكرهة ، في الصفحة الأولى للكتاب وجدت اسم وختم وتوقيع صاحب الكتاب الأصلي وهو لشاعر واكاديمي بحريني معروف ،فهذا الكتاب أيضا ليس كتابها وربما استعارته كحال كتابي واستبقته عندها وانتهى في نهاية الامر في يدي ،وربما لو بحثت طويلا لصادفتني حالات عديدة لكتب مسروقة ، وتبين لي لاحقا ان هذه الصديقة ورثت عادة اقتناء الكتب وجمعها من والدها بيد انها لم ترث شغفه وحبه للقراءة وكان حالها كما اوجز الشاعر العربي في بيته الشهير عن مدعي الثقافة المظهرية : وعند الشيخ كتب من ابيه / مكدسة ولكن ما قراها .

كان حبي للكتاب وقتها غير مشروط ولا علاقة له بالصحافة التي امتهنتها  لاحقا ، ربما ورثت هذه العادة من ابي وجدي واهلي ،  وفي تلك الأعوام كانت الكتب اوما تنطوي عليه من معلومات وأفكار هي أحد المصادر المهمة للمعرفة قبل مجيء الشبكة العنقودية والانترنت السريع الذي يأخذك الى المعلومة والكتب المقروءة والمسموعة بسرعة البرق، قبل هذه المرحلة كان عشاق الكتب يحتفظون بكتبهم ولا يعيرونها حتى للمقربين منهم ليس بخلا بالضرورة ولكن ايمانا منهم بأن البشر عموما يستهينون بالكتاب ولا يعتبرون تضييعه او فقدانه سهوا او قصدا او حتى الاستيلاء عليه سرقة مجرَمة .

كان والدي رحم الله عاشقا للكتب، وقد حرم اعارة كتبه لاي انسان، حتى نحن أولاده اذا احتجنا كتابا في مكتبته ،يجبرنا على الجلوس امام ناظريه نقرأ او ننقل ثم نعيد الكتاب الى مكانه، والكتاب الذي يدخل مكتبته لا يخرج منها ابدا ،واذا سافر اغلق مكتبته واخذ المفتاح معه ، وقد أوصى بعد رحيله ان تُحفظ كتبه التي ارتبط بها وبدت في منزلة أولاده وأعز ما لديه ،وربما غادر الدنيا غير نادم الا على كتبه التي اقتناها وجمعها وحافظ عليها طوال حياته .

مؤخرا وجدت مناسبة لكي اتجول في مكتبتي فقفزت الى رأسي أسئلة من قبيل : متى سأقرأ الكتب الجديدة؟  ومتى سأعود الى قراءة الكتب القديمة التي سبق قراءتها واعتبرها قريبة من نفسي وعزيزة علي؟ وما هي الكتب التي يجدر التخلص منها بعد ان تراكم عليها الغبار وصارت عبئا على المكان وكراكيب لا لزوم لها؟

على احد الرفوف وجدت مجموعة من الكتب المختارة والمفرزة والتي انحيتها جانبا من اجل العودة اليها  في قادم الأيام ، وقد طال امد مكوثها في المكان ، نقلتها مجددا الى الكرسي الخاص بالقراءة حيث ينفتح الكرسي وتتمدد الارجل ويرتاح الظهر ،فوجدت هناك مجموعة أخرى تنتظر دورها في القراءة ، بعضها قرأت منه صفحة او صفحتين ،وقد تبين لي عشوائية القراءة التي سرت عليها في سنوات افول الكتب ، اذ كنت اتنقل بين كتب لا جامع بينها ،لم اكن باحثة او كاتبة مقال استقي معلومات محددة كما كنت افعل في السابق بل كنت راغبة في متعة القراءة فحسب ، خرجت من رحلة البحث في مكتبتي ذلك اليوم كما يعاود أي انسان زيارة مكان عزيز عليه بهدف استعادة المتعة السابقة ، وهي متعة تضاءلت شيئا فشيئا مع مرور الوقت ثم شارفت على الاختفاء ، ذهبت الى ذلك الكتاب المسروق ، تذكرت الحكاية القديمة لكتابي المفقود الذي بحثت عنه فوقع نظري على كتاب آخر افضل منه ، وهو كتاب لا يزال قيَما وجميلا ولا اعتقد انه مرشح  للنقل الى زاوية الكراكيب ، تصفحت الكتاب لعدة دقائق ، اضفته الى قائمة الكتب المركونة جانبا بانتظار دوره في القراءة ، غدا تنتظرني ربما قصة أخرى مع رف جديد في مكتبتي التي أحاول نسج تاريخ جديد معها ، وماذا اريد منها الان ؟ ولم ؟ وكيف ؟ وغيرها من الأسئلة المؤجلة منذ زمن بعيد .

 

 

 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved